سلاما ياعراق : طبيب رغماً عني



قارئ، من ذوي النوايا الطيبة، يتابع ما أكتب باستمرار علّق على عمودي ليوم أمس متسائلا: "هذا هو وضع اليد على الجرح ووصف العلة ولكن بدون أن تكتب الدواء، فلماذا؟". هذا السؤال البسيط في ظاهره أجده شخصيا من أشد الأسئلة صعوبة. ما الذي يتوقعه هذا القارئ الجليل من كاتب غير ان يشخص العلة وباعترافه قد فعلت؟ سؤال مثل هذا يريح الحكومة التي أخرجت يديها من جيوبها وجلست على التل تتفرج على دماء الناس وجثثهم. الحل والربط بيدها لكنها ترفض ان تربط أو تحل. وستظل كذلك ما دامت مختبئة بجحرها "الأخضر" والشعب يتلظّى على خط النار الأحمر.
الغريب في تعليق هذا القارئ الحميم انه أنهاه بضحكة: ههههههه لا أعرف سببها. لكني ضحكت أيضا لسبب غير الذي عنده. ذكرني بحديثه عن الدواء كيف ان بعض العراقيين يلصق بك تهمة يراها الناس مدحا وهي ابتلاء. فإني، وكأي كاتب، يعارض حكومة طائفية مستبدة يتوقع من أتباعها ومقربيها شتى ألوان التهم والشتائم والروايات. لكني لم أكن أتوقع ان "يتبلاّني" أحدهم بتهمة إنني طبيب! ليس هذا فقط بل ويبث بين الناس إنني قد قصرت بأداء واجبي الإنساني ولم أركض لداره حين دعاني كي أعالج ولده الذي يشكو من مرض عضال! صرت مثل ذلك القروي الذي باع بقراته وراح صوب بغداد يبحث عن سبيل لاستثمار رأسمال البقرات. سعت به قدماه إلى منطقة سيد سلطان علي في شارع الرشيد. أبهره الشارع فظل يلف بعنقه يمينا وشمالا مسحورا بألق المدينة وأضوائها. هناك تلقفه أحد النصابين وصاح به: لك هلا بحسين .. اشلونك أخوية حسين؟ رد عليه القروي: عمي انا موش إحْسِين، انا اسمي عناد. هاي شنو يمعود اصلا والدك جان عدنا يوم النولدت بالعرب وابوي هوه السماك حسين. دعاه للمطعم وصاح على النادل: شوف حسين شيريد. اوكل امره لله وصدّق ان اسمه حسين وليس عناد. عندما شبع النصاب استأذن إحسين ليغسل يديه واخبره ان حسابه واصل. نهض من مكانه واختفى. ظل القروي ينتظر ساعة الى ان يئس. وضع عباءته على كتفه ونهض ليخرج. عند الباب أمسك به صاحب المطعم: احسابك أخونه؟ عمي الافندي الجان وياي كلي واصل. المهم عرف القروي اللعبة ودفع ثمن عشاءين فاخرين. خرج وهو يهذي مع نفسه قرابة يومين كاملين: أكله موش إحْسِين، يكلي إحسين .. أكله موش إحْسِين، يكلي إحْسِين .. أكله موش طبيب، يكلي طبيب !