الشعب يريد...والاحزاب تريد...



هل ان الانشقاقات في الاحزاب شر مستطير أم يمكن ان تكون خيراً؟ سنرى.. 
الانقسامات التي يتعرض لها الان معظم الاحزاب والائتلافات السياسية في بلادنا لا سيما ذات النفوذ منها، هذه الانقسامات قد تكون دلائل شر عندما تشير الى صراع المصالح، وتحول الارتباطات بهذه الجهة الدولية او الاقليمية، او رغبة عدد من قيادات هذه الاحزاب ان يكون لها مكان الصدارة. 
لكنها يمكن ان تكون بادرة خير عندما يكون السبب وراءها يقظة في الضمير، او استنهاض للشعور بالمسؤولية الوطنية، او الوقوف بوجه سلوك سياسي مشين او غير مقبول، فهذا من شأنه ان يفرز الخنادق، ويفك التشابك بين الصالح والطالح، بين الخطأ الذي وراءه نوايا حسنة، والخطأ المقصود الذي تكمن وراءه سيئات النوايا... 
في الحالة الاخيرة هذه اما ان يصفي الحزب نفسه ويعود الى الطريق القويم ان كان ما بقي فيه هم الوطنيون المخلصون، اما اذا بقي فيه المنتفعون من دماء العراقيين وبؤسهم فان من خرج انما خرج من الظلمة الى النور، ومن جبهة العنصرية والطائفية والمصالح الضيقة الى جبهة الشعب، وانه يكون قد برأ نفسه، واراح ضميره، واستعاد ثقة الناس به مكانته المرموقة بين صفوفهم... 
وفي هذه الحالة وحدها فان الغربلة مطلوبة، ويغدو الانقسام رحمة، اما اذا كان الانشقاق او الانقسام مرده بخل من (القائد) على اتباعه، وحجب الدعم المقدم له من اطراف معينة عن اتباعه، او استئثاره بحصة الاسد، وما هو باسد، فان ذلك يستدعي، برأينا المتواضع، ان يعلن الحزب من تبقى ومن خرج يعلن انشقاقه عن الوطن، ليريح ويستريح... اما اذا ادت الانشقاقات الى اختفاء بعض الاحزاب نهائيا من الساحة فتلك نعمة من الله على عباده. 
ونحن نفهم ان الانشقاقات ليست جديدة على الاحزاب السياسية، فنحن نذكر انقسام الحزب الشيوعي الروسي قبل الثورة الى بلاشفة ومناشفة، ونذكر انقسامه بعد الثورة الى ستالينين وتروتسكيين، ثم الى صراع ستالين مع بوخارين... ونذكر الشقاق بين موسكو وبكين، ونذكر انقسام الجبهة الشعبية الى شعبية تؤمن بالاشتراكية في الوطن الواحد، وديمقراطية تصر على الاشتراكية في جميع البلدان، مع ان الوطن تحتله اسرائيل وما برح امنية في ضمير الغيب... 
لكن المشكلة التي نواجهها في العراق هي اننا لا نعرف ماذا يريد كل حزب؟ فليس هناك عقيدة واضحة المعالم، ولا منهج محدد الاطار، ولا مواقف واضحة ازاء الاحداث... لكن هناك تصريحات، والتصريحات لا تصنع حزبا، وبأمكان اي فرد ان يصرح... 
وتمضي الامور على وفق هذا السياق فلا احد يعرف لماذا انشق فلان عن فلان، وماذا يريد من انشق وما الذي يريده من بقي... نسمع فقط ان كل طرف يدعي حصافة الرأي، وسلامة الموقف، مع العلم ان ليس هناك رأي، ولا موقف... 
وفي الحالين: ان الصفر على الشمال الذي لا يأبه به احد، ولا يحسب حسابه احد، هو الوطن التي تتقاذفه العواصف ذات الشمال وذات اليمين، وينوء تحت وطأة الغيوم السود التي تهطل عليه اسى، ويتنفس رمال الصحراء، ويسير على الارض المعفرة بدم الابناء... 
كانت امهاتنا وجداتنا في رأس كل سنة هجرية يبتكرت شيئا يقلن ان الارض ستقف عليه هذا العام فمرة ركة (سلحفاة) ومرة (قرن ثور) ومرة (راس عبد) وعندما سئل هتلر احد ضباطه...
- يا سيدي لماذا لم تدمر القوات البريطانية المحاصرة في ميناء دنكرك وتركتهم ينسحبون الى جزيرتهم بسلام. 
اجاب هتلر: 
- يا بني ان عالمنا يقوم على دعامتين هما الكنيسة الكاثوليكية والامبراطورية البريطانية. 
وهكذا فان بعض الاحزاب يتصور انه دعامة العالم الذي سينهار اذا ما تصدعت او اذا ما (زعل)، او على طريقة الجدات والامهات يتصور انه بات المحور الذي تدور حوله الارض... 
مع ان الانبياء لم يدّعوا هذا (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‏) الايه..
فمن منا يصل الى ذرة تراب علقت باقدام محمد (ص)؟ لا احد ومع ذلك فان الله قد جعله رسولاً قد خلت من قبله الرسل... فما بال البعض يرى نفسه بمرآة لا تعكس سوى الذات، ولعله يخاطب نفسه بالاهزوجة التي قالتها ام احد مشايخنا الاجلاء (كل جابت خابت بس آنه)... 
نحن قادمون على انتخابات، واذا ما اردنا الشعب ان يصوت، وان تكون الانتخابات نزيهة حقاً فعلى الجميع ان (يلعب على المكشوف) ويضع اوراقه على الطاولة، ويصارح الناس بحقيقة ما جرى وما يجري وماذا، يلتزم به بعد الفوز من اهداف، وما الذي ينوي عمله على طريق انقاذ الوطن والمواطن... 
وان يكون هذا الوعد صادقاً... فالرجل وكذلك المرأة... كلمة... وكان اهلنا يقولون في مضائفهم ( ان الرجل مربوط بلسانه)... 
ونزاهة الانتخابات التي اشرنا اليها لا تعني فقط الابتعاد عن الفتاوى السياسية، او فرض المرشح بالقوة، او دفع الرشاوى، او وضع البطاقات المزورة في الصناديق... بل ان النزاهة تعني قبل هذا صدق المرشحين... فالمرشح الذي يعلن غير ما يضمر يزيف الانتخابات، والمرشح الذي يتراجع عن وعوده يعني انه قد زيف... 
الشعب لا يهتم بمن انشق عن من، ومن تحالف مع من... 
الشعب يريد ان يعرف ماذا يراد به وبوطنه... 
الشعب يريد ماذا تضمر الاحزاب وما تفرع عنها من نوايا الخير او الشر. 
الشعب يريد عملاً، وزادا، وامنا، وحرية، ولا يريد احزابا تنشق او تندمج مع غيرها والمحور هو تضارب المصالح او تلاقيها... وعلى طريقة 
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقى 
وللحب ما لم يبق مني وما بقي 
حيث بوسعنا ان نضع (دولة ما) مكان العينين، والمصلحة مكان الحب. 
وحسبنا الله ونعم الوكيل....