انا وسبتمبر اِلَفِنْ

 

 

في السابع والعشرين من آب أي قبل اسبوعين من تفجير برجي التجارة العالميين خصصت احدى زياراتي الى جزيرة منهاتن لتفقد العمارتين الشاهقتين والناشزتين من بين مئات العمارات في جنوب الجزيرة الآسرة. بمساعدة آلة التصوير صورت في نحو ساعة شتى جوانب العمارتين ومن زوايا عدة وكانني الموفد الخاص لـ "محمد عطا" اتفحص له الخواصر الضعيفة  ليسهل البطش بهما . يومها القيت نظرة على المحيط من الطابق 110 في مشهد لا اظنه سيتكرر . في يوم الحادث – أي بعد اسبوعين – كان العالم في واد وانا في واد ، افكر في كاميرات المراقبة التي لا شك انها سجلت كل صغيرة وكبيرة من تحركاتي المشبوهة ومضت علي اسابيع وانا اترقب زوار الليل ، ولا اخفيكم ان هذا الكابوس يطاردني الى يومنا هذا بحدة اقل . صبيحة الثلاثاء الحادي عشر من ايلول كنت على موعد لتلقيح ابنتي "زهراءالمولودة قبل عام وشهر ولا "ادري هل الدنيه طشّت لو رشّت" لاني لم استعرض الاخبار في ذلك اليوم ولم افتح تلفازا . وما ان نزلت مع عائلتي الى الطابق الارضي حتى بدت لنا اجواء تذكر بيوم تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ... غاية ما توصل اليه دماغ أم محمد العراقي ان انقلابا عسكريا في واشنطن اطاح بجورج بوش مقترحة ان نعود ادراجنا ونؤجل اللقاح . مركز التلقيح وجدناه قاعا صفصفا الا من موظفة كلفت بالاعتذار للمراجعين وتزويدهم بمواعيد جديدة . حينها كانت اصوات سيارات الاطفاء والاسعاف والانذار "صرعتنا" حقا كما يقول الشاميون . في العودة الى الشقة استقبلني جاري وهو من اصول افريقية بعبارة : "اميركا لا بد ان تتلقى مثل هذه الضربة حتى تكف عن ايذاء المسلمين وعن ممارسة التمييز ضد السود " ، وأظنه كان يريد الجزء الثاني فقط ، فقدم لي "برطيلا" بان اثار قضية المسلمين اولا . بعد اقل من اسبوع "اول ليلة سبت" نظّم المتنزه الذي يقع فيه بيتنا حفلا تابينيا في الهواء الطلق لـ 35 رجل اطفاء من مدينتنا فارقوا الحياة في انهيار البرج الجنوبي عندما استدعتهم بلدية نيويورك للمساعدة باعتبار مدينتنا الميناء "اليزابث " الاقرب لمكان الحادث . ذهبت ام محمد مع طفليها الى الحفل وفوجئتْ بان شرطيا لا يكف عن ملاحقتها حيثما وقفت . وعندما شعر بانها متضايقة من هذه الملاحقة اللصيقة ، سالها عما اذا كان وجوده يسبب لها حرجا فردت عليه بالنفي الخجول . حينها قال لها : (انك المحجبة الوحيدة في هذا الحفل وانا اذ اقدر لك حضورك معنا فانني مامور بتوفير الحماية لك ولطفليك تجنبا لاي مكروه قد يصيبك ، ولا شك انك تقدرين توتر الوضع الراهن ، على انني ساتوقف عن اداء هذه المهمة لو انك طلبت مني ذلك) . مر على هذا الشريط 12 عاما بالتمام والكمال ، رغم صعوبة هذه السنين الا انها كدقات الفؤاد مضت سراعا كما يقول الشاعر الكبير ما اعرف منو .