5 - الضرورات الشعرية ، دراسة ضرورية (الحلقة الأخيرة )

 

35 - تسكين المتحرك :

تكلمنا عن حذف حركة الإعراب في الفقرة رقم - 24 -، وكان قول امرئ القيس : (فاليوم أشربْ غير مستحقبٍ) شغلنا الشاغل ، وامرؤ القيس ، والشعراء الجاهليون حجّة على لغتنا بعد القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية الشريفة ، والشاهد كلمة (أشربْ) ، وقد سكّن الشاعر الباء ، ولم يتعرض الفعل المضارع لعوامل الجزم ، ولجأنا إلى الضرورة الشعرية ، وامرؤ القيس نفسه ، يقول قبل موته :

ربَّ خطبةٍ مسْحنْفِرة *** وطعنـةٍ مثْعنْجِـرة
وجعبــــةٍ متحبّـرة **** تُدفنْ غداً بأنقِــرة

وأمامك (تدفن) وقد سكّنها الشاعر، والفعل المضارع لم يتعرض لعوامل الجزم ، وأدواتها ، يذهب الشيخ الكوني إلى أنّ " هذا السكون ليس سكون اعراب , وإنما هو سكون للتخفيف من توالي الحركات , لأنه إذا توالت الحركات ربما فيه نوع من الثقل على اللسان ..." (80) ، فتسكينها ضبط لحركات اللسان ، وحركات الحروف ، وورد في القرآن الكريم شاهد للتبرير " وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " (يوسف : 90) ، من وجهة نظري أن الشاعر لم يفكر بالحركات الأربع المتتالية ما بين الساكنين الأصليين ( تُدْفنُ غَدَاً /ه////ه) ، فاللفظ المتكاوس في القافية معروف ، ويتشكل من أربع حركات بين ساكنين ، فالشاعر الملك الضليل سكّن نون (تدْفنْ) لاستقامة الوزن ضرورةً شعرية . وهنالك من يجد العذر للشاعر ، فيجعل من تسكين الكلمة تجاوزاً للإعراب قد ورد في القرآن الكريم " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئْكُمْ " (البقرة: 54) ، بإسكان الهمزة على قراءة أبي عمرو بن العلاء،وهنالك من يعتبرها لغة بعض القبائل،أو أفخاذها ، كما في الشاهد :

فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ *** أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوْ بِأُمٍّ وَلاَ أَبِ

كما ترى قد سكّن الشاعر كلمة (آسموْ) ، وحقّها حركة الفتح ، لأنها منصوبة بـ (أنْ)، وكذلك قول جرير ، وقد سكّن فاء (تعرفْكم) في البيت الآتي :

سِيرُوا بَنِي العَمِّ فَالأَهْوَازُ مَوْعِدُكُمْ وَنَهْرُ تِبْرَى فَلاَ تَعْرِفْكُمُ العَرَبُ

وهذا قول الأعشى من المتقارب ، وقد مدح قيس بن معدى كرب :

إلى المرء قيس أطيل السرى*** وآخذ من كل حى عصم

و (عصمْ) أصلها عصماً، ووقف الشاعرعلى الميم ساكناً ، وهي لغة ربيعة ، فإنهم يجيزون تسكين المنصوب المنون في الوقف . (81)
ومن الرمل :

يا أبا الاسود لمْ خليتني *** لهموم طارقات وذكر

على أنه سكن الميم من ( لم ) إجراء للوصل مجرى الوقف ، و (لم) معناه لاجل أي شئ.. خليتني

ومن الوافر لحسان بن ثابت :

قالت سليمى اشترْ لنا سويقا 
يعقب الأستربادي في (شرحه لشافية ابن الحاجب ) على هذا الصدر : إن الشاعر سكن الراء، وهى عين الفعل (شرى)، وكان حقها الكسر، كأنه توهم أنها لام الفعل فسكن الامر رديا يا فتى، وهذه لغة رديئة، وإنما هو غلط . (82)

وهذا أبو العلاء المعري سكّن الحرف لغوياً لا نحوياً :

وقد يقالُ عثار الرجل ِ إن عثرت *** ولا يقالُ عثار الرَجْل ِ إن عثرا
فقد سكن معرينا الجيم في (الرَجُـل ) مع انها في الأصل محرّكة ، وما ذلك إلا ضرورة !

36 - تحريك الساكن :

وعند كلامنا عن تشديد الحرف المخفف ( الفقرة - 31) ، أوردنا الأبيات :

وهبت الريح بمور هبّا *** تترك ما ابقى الدبا سبسبّا

يورد الرضي في شرح شافيته " والاستشهاد بهذه الابيات في قوله (جدبا والقصبا والتهبا واخصبا وسبسبا) حيث ضعف اواخر ها للوقف ثم حركها ضرورة " (83)

ويقول زياد بن الأعجم محتجاً على رجل من بني عنزه قد سبّه ، والشاعر المسكين لم يضربه ، وراجزاً :

عجبت والدهر كثير عجبه *** من عنزي سبنى لم اضربه

البيت من شواهد سيبويه ، والاستشهاد به في قوله (لم اضربه) حيث نقل حركة الهاء الى الباء ليكون ابين لها في الوقف ، وذلك من قبيل ان الهاء الساكنة خفية ، فإذا وقف عليها بالسكون وقبلها ساكن كان ذلك اخفى لها ، قال أبو سعيد السيرافى: (انما اختاروا تحريك ما قبل الهاء في الوقف إذا كان ساكنا لانهم إذا وقفوا اسكنوا الهاء وما قبلها ساكن فيجتمع ساكنان والهاء خفية ولا تبين إذا كانت ساكنة وقبلها حرف ساكن فحركوا ما قبلها بالقاء حركتها على ما قبلها وبعضهم - وهم بنو عدى - لما اجتمع الساكنان في الوقف وارادوا ان يحركوا ما قبل الهاء لبيان الهاء حركه بالكسر كما يكسر الحرف الاول لاجتماع الساكنين في نحو قولنا: لم يقم الرجل (84)

نرجع ، إذن (لمْ أضربُهْ) ، من المفترض الباء ساكنة ، لأن الفعل المضارع مجزوم بـ (لم) ، ولكن أعطيت حركة الهاء ، وهي الضمة ، وسكنت الهاء ،فالعرب تقف على ساكن ، ولو سكنت الهاء ، والباء قبلها ساكنة ، لأُبتلِعَت الهاء ، لأنها حرف خفي !!

وإليك هذا البيت من البسيط ، وقد حرّك الشاعر لام (حلـْم)الساكنة ، فصيّرها (حلـُم) :

تباً لطالب دنياً لا بقاء َ لها *** كأنما هيَ في تصريفها حُـلـُمُ

وقد يُحرّك ساكن في الروي ، إذ يتم بمجيء فعل مضارع مجزوم ، فيحرّك بالكسرة ضرورة بدلاً من السكون ، والكسرة أقرب الحركات إلى السكون ، كما في صدر مطلع معلقة زهير بن أبي سلمى : 
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَـمْ (تَكَـلَّمِ) *** بِـحَوْمانَة الـدَّرَّاجِ فَالْـمُتَثَلَّـم

أو أن يكون الفعل أساساً ساكن كفعل الأمر ، فيحول الشاعر السكون إلى الكسر وهذا أحمد شوقي في قصيدة نهج البردة يقول :

وقيل : كلُّ نبيٍّ عند رتبتهِ *** ويا محمدُ هذا العرشُ فاستلمِ

وإذا ألتقى الساكنان ، أينما كان موقعهما ، تتحول إحدى حركتي السكون ،وغالباً الأولى إلى حركة الكسر ، وهذا كثير في الشعر ، وخاصة عندما تأتي تاء التأنيث الساكن ، أو فعل مضارع مجزوم قبل اسم معرّف بالألف واللام ، يقول الجواهري :

أريدُ أكفاً موجعاتٍ خفيفة ً*** عليها - متى ما (شاءتِ ) - اللطماتُ

كما ترى حركة تاء (شاءتِ) الكسر ، وحقها السكون ، لأنها تاء التأنيث الساكنة ، ولكن جاءت بعدها كلمة (اللطمات) ، المعرفة بالألف واللام ، ألف الوصل لا تنطق ، اللام ساكنة ، فيلتقي الساكنان ، فتحولت حركة سكون التاء إلى الكسرة .

و قد تحرّك ميم الجماعة الساكنة (همْ) بالضم أو الكسر ، حسب الحركة التي قبلها - ولا يجوز أن تأتي الفتحة - وتشبع الحركتان ، كقول الفرزدق في مدح الإمام السجّاد ، وقد ضمَّ ميم الجمع في (كلّهُمُ) ، وأشبع الضم ، لتشكيل تفعيلة (فعِلن) ، فالبحر من البسيط :

هذا ابن خير عباد الله (كلّهُمُ )***هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

والمتنبي في رثاء جدّته ، يكسر ميم(لأنفهمِ) ، ويشبع الكسرة ، لتتشكل التفعيلة (مفاعيلن) ، فالقصيدة من الطويل :

لئن لذ ّ يوم الشامتين بيومها *** فقد ولدت مني لأنفهـِم ِ رغما 
 
 :37- زيادة حرف أو حرفين

لم يكتف الشعراء بإشباع حركات الضمائر والحروف الصحيحة لبعض الكلمات ، والتغاضي عن جزم حروف العلة ، ومد المقصور , والتشديد ، وتحويل ألف الوصل إلى ألف قطع ،وتنوين ما لا ينصرف ، وتنوين المنادى المبني ، وما مرّ علينا من زيادة ، وما سيمرّ ُ، بل واصلوا مسيرة ضروراتهم إلى حد إضافة حرف أو حرفين في مجموع الكلمة حتى يستقيم الوزن ، فيورد عبد القادر البغدادي في (خزانته) قول الفرزدق :
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة *** نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

وهو من أبيات سيبويه أورده في " اوائل كتابه، في باب ما يحتمل الشعر " قال: وربّما مدّوا فقالوا: مساجيد ومنابير، شبّهوه بما جمع على غير واحدة في الكلام ، واستشهد به البغدادي في باب الفصل بالمفعول بين المتضايفين ، فإن أصله : نفي تنقاد الصياريف الدراهيم، ففصل بالمفعول وهو الدراهيم، بين المتضايفين(85) ، وزاد الشاعر - والكلام لي - ياء في الدراهم ، وياء في الصيارف لاستقامة الوزن ، وما كانت الدراهيم بحاجة إلى هذه الياء المتطفلة لاستقامته ، فالوزن يستقيم بها ، وبدونها ، فكما ترى : (هي متن - فاعلن ) ،و(همتن - فعلن ) ، و (فعلن ) من جوازات البسيط الحسن، ولكن هكذا أراد الشاعر، نعم الصياريف تستحق ضرورة زيادة ، وعند الشنتمري الشاهد في الصياريف، قال : زاد الياء في الصياريف صرورة تشبيهاً لها بما جمع في الكلام على غير واحد، نحو ذكر ومذاكير، وسمح ومساميح. ولم يتعرض للدراهيم والدنانير، وقال الأعلم: وصف الفرزدق ناقته بسرعة السّير في الهواجر فيقول: إن يديها لشدّة وقعها يف الحصى ينفيانه فيقرع بعضه بعضاً ويسمع له صليل كصليل الدنانير إذا انتقدها الصّيرفيّ فنفى رديئها عن جيّدها، وخصّ الهاجرة لتعذّر السير فيه . (86)

ومما أعتبره من الزيادة مدَّ المقصور - وقد مرّ علينا دون اتصال هذا الممدود بضمير - أمّأ الآن ، فسوانا تصبح سوائنا ، فزادت الهمزة ، ، وسواك تصير سوائكا ، فزاد حرفان ، الهمزة والألف ، يقول سيبويه في (كتابه) : " وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلا ظرفاً بمنزلة غيره من الأسماء، وذلك قول المرار بن سلامة العجلي :
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم *** إذا جلسوا منا ولا من سوائنا
وقال الأعشى :
وما قصدت من أهلها لسوائكا

وقال خطام المجاشعي :

وصاليات ككما يؤثفين
فعلوا ذلك لأن معنى سواء معنى غير، ومعنى الكاف معنى مثل
وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً. وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا، لأن هذا موضع جمل"(87) ،وكما ترى في مثال سيبويه الثالث قد زاد المجاشعي الكاف !!

: 38 - قطع همزة الوصل

همزة الوصل : العرب لا يبدأون كلامهم بساكن ، فإذا بدأت كلمة ما بساكن ، لابد أن يسبقوها بهمزة تدعى همزة الوصل ، ليواصلوا بها كلامهم ، فتنطق عند ابتداء الكلام ، ولا تُنطق عند وصله بما قبله ، وتكتب هكذا (ا) ، ولا يرسم فوقه أو تحته همزة ، وتأتي بالأفعال : أمر الثلاثي المبدوء بهمزة ، وأمر وماضي ومصدر الفعل الخماسي والسداسي ، وفي الحروف (ال) التعريف ، وفي الأسماء التالية : ابن ، ابنة ، ابنم ، ابنان ، ابنتان ، اثنان ، اثنتان ، اسم ، اسمان ، است ، امرؤ ، امرآن ، امرأة ، امرأتان ، ايمن ، وتحذف همزة الوصل من الكلمة ، إذا سبقتها همزة الاستفهام ، أو لامات الجرّ والاستغاثة والابتداء ، ومن البسملة ، وتحذف في حالة (ابن) إضافة لسبقها بهمزة الاستفهام ، عند النداء ، وإذا وردت بين علمين الثاني والد الأول شرط أن لا تكون الكلمة في بداية السطر ، إذ تعاد إليها همزة الوصل ، وكذلك تحذف من امرؤ وامرأة ، إذا سبقت الكلمتين (ال) التعريف ، و (ال) التعريف إذا سبقتها همزة الاستفهام تقلب الهمزتين إلى المدة ، وهمزة الوصل لا تنطق حتى في بداية الكلام إذا سبقها حرفا الواو والفاء ، ولم نورد الأمثلة ، لأن موضوعنا الضرائر الشعرية ، ومن هذه الضرائر قول جميل - من الطويل - وقد قطع همزة وصل اثنين ، لتصبح ( إثنين ) ضرورة حتى يستقيم الوزن :

ألا لاأرى(إِثْنَيْنِ) أحسنَ شيمةً *** على حَدَثَانِ الدهرِ منِّي ومِنْ جُمْلِ (88)

وهذا مثال آخر:

قد لعمري دافعت عن نعم القو *** مِ وقد (إنطفت) وكادت تزولُ
فكلمة انطفت همزتها همزة وصل ، لأنها فعل ماضي خماسي ،فأبدلت همزتها إلى همزة قطع (إنطفت) ضرورة شعرية .

وكذلك قول الفرزدق في هجاء خالد بن عبدالله القسري:

فلذا (أغتربتُ) في الشام حتى *** ظن أهلي مرجماتُ الظنون ِ(89) 
فقد جعل همزة الوصل في الفعل الماضي الخماسي (اغتربت ) همزة قطع ٍ (أغتربت)

وهذا أبو العتاهية وقد قطع همزة الأمر من بنى فقال إبن في البيت التالي :
أيها الباني لهدم الليالي ***إبنِ ما شئت ستلقى خرابا

39 - وصل همزة القطع :

هي همزة متحرك بالفتح أو الضم أو الكسر (أ َأ ُإ) ، ينطق بها سيان جاءت في ابتداء الكلام أو وسطه، تأتي في الأفعال : في ماضي ومصدر الثلاثي ، ماضي وأمر ومصدر الرباعي ، كلّ الأفعال المضارعة التي تبدأ بالهمزة، وكل الحروف عدا (ال) التعريف ، و جميع الأسماء عدا الأسماء المذكورة في همزة الوصل ، وهذه الهمزة تنطق في جميع الأحوال حتى لو سبقها حرفا الواو والفاء في بداية الكلام يذكر ابن جني هذين البيتين في (تمام تفسيره) :

يابا خصيلة لن يميتك بعدها *** (يابا خصيلة) غير شيب قذال
أراد: (يا أبا خصيلة) ، فحذف الهمزة تخفيفا كقول أبي الأسود من الكامل : 
(يابا المغيرة) رب أمر معضل *** فرجته بالمكر مني والدها (90)

وأراد (يا أبا المغيرة) ، فقطع همزة الوصل ، وهذا مثال ثالث ، يقول فيه الشاعر:

قلت: عبد العزيز خذْ قال: لبَّي *** كَ (اعطينها) فقلت: لبَّيكَ ألفا
فكلمة (اعطينها )همزتها همزة قطع في الأصل ابدلت هنا بهمزة وصل والأصل(أعطنيها) وخففت لضرورة الشعر.

والفرزدق يهجو خالد بن عبدالله القسري قائلاً : 
وكيف يؤم الناس من كانت (امهُ) *** تدينُ بأن الله ليس بواحد ِ 
وقد جعل همزة القطع في (أمه ) همزة وصل ٍ ، ومثله قول الشاعر :

ومن يصنع المعروف في غيرأهله *** يلاقـي الـذي لاقـى مجيـر( امَّ ) عامـر

 

40 - تخفيف الهمزة أوحذفها :

يقول الزركشي في ( علوم القرآن) بتصرف : أما تخفيف الهمزة وهو الذى يطلق عليه تخفيف وتليين وتسهيل أسماء مترادفة ، فالتخفيف إمّا أن يكون بالنقل وهو نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها نحو قد أفلح بنقل حركة الهمزة وهى الفتحة إلى دال قد وتسقط الهمزة فيبقى اللفظ بدال مفتوحة بعدها فاء ، أو أن تبدل الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها إن كان قبلها فتحة أبدلت ألفها نحو باس ، أو تخفيف الهمز بين بين ومعناه أن تسهل الهمزة بينها وبين الحرف الذى منه حركتها فإن كانت مضمومة سهلت بين الهمزة والواو أو مفتوحة فبين الهمزة والألف أو مكسورة فبين الهمزة والياء وهذا يسمى إشماما قوله تعالى قل آلذكرين ونحوه وذكره النحاة عن لغات العرب (91) ، وقد يلجأ الشعراء إلى مثل هذا التخفيف أو الحذف ضرورة :

كقول أمية بن الصلت ، وقد خفف همزة البارئ إلى الباري : 
هو الله باري الخلق كلهم *** إماءٌ له طوعاً جميعاً وأعبدُ

ومن الأمثلة على تبديل الهمزة حرف مد :
لئنْ أفلَ النجمُ الذي لاحَ آنفاً *** فسوف تلالا بعده أنجم زهرُ

(تلالا) أصلها(تلألأ)
 والمتنبي يبدل همزة (تهنـّأ) إلى( تهنـّا) : 
(تـُهنـّا) بصور ٍ أم نهنئها بكا *** وقلّ الذي صور ٌ وأنت لهُ لكا 
 والفرزدق يخفف من (هنأكِ) إلى (هناك) : 
راحت بمسلمة َالبغالُ عشيـّة ً *** فارعَيْ فزارة ُلا هناكِ المرتع ُ
وأبوتمام يمدح الامير أحمدَ بن الخليفة المعتصم قائلاً :

ما في وقوفك ساعة ً من باس ِ *** نقضي ذمام الأربع الأدراس ِ 
وهذا هو مطلع القصيدة ، وقد خفف همزة (بأس ) لاحتياجه الى قافيةٍ مؤسسة ٍ تجانس (الأدراس) ، والمتنبي يحتاج قافية مردوفة بالياء ، فيحيل الهمزة ياء ، فيصبح (الذئب ) ( الذيب) في بيته التالي :

كم زورة ٍ لك َ في الاعراب خافية ٍ *** أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب

41 - تقديم المعطوف :

: تقديم المعطوف، مثل

ألا يانخلةً من ذاتِ عرقٍ ***عليكِ ورحمةُ اللهِ السلامُ

ذهب النحاة في تحليل عجز هذا البيت كثيراًوبعيداً ، وأقربها إليَّ قول الأخفش ، ومذهبه " أنه أراد : عليك السلام ورحمة الله، فقدم المعطوف ضرورة؛ لأن السلام عنده فاعل عليك " (92)

وأخيراً تذكر مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة : وقد ذكر ابن مالك في (تسهيله ) جملة من المسائل يعدّها بعضهم ضرورة ولا يراها هو كذلك كحذف نون الوقاية من "ليس"، و "ليت"، و "عن"، و "قد"، و "قط" ، وزيادة "ال"في العلم، والتمييز، والحال ، وإسكان عين "مع" ، والفصل بينها وبين تمييزها ، وتأكيد المضارع المثبت ، ومجيء الشرط مضارعاً، والجواب ماضياً ، وإجراء الوصل مجرى الوقف .وفي بعض كتبه الأخرى يشير إلى أن بعض الظواهر تكثر في الشعر دون النثر

ونكرر ما أوردناه في مقدمة البحث ، ولعل ابن مالك في هذا متأثر بسيبويه. وهذا يشعر بأنهما يدركان أن للشعر نظاماً خاصاً به في صرفه، ونحوه ينبغي أن يدرس وحده منفصلاً عن النثر، ولكن النظرة السائدة إلى وحدة اللغة جعلت هذه الملاحظة تقف عند حدّ الإدراك الذي لم يؤيده التنفيذ العملي 
أمّا رأي ابن جني والجمهور ، فيرى أبو الفتح عثمان بن جني (392هـ) وكثير من النحويين أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا؟ ولم يشترطوا في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره ، بل جوزوا له في الشعر ما لم يجز في الكلام ؛ لأنه موضع قد ألفت فيه الضرائر (93) ، وهاك هذا المثال وقد سلف أيضا :

فلا مزنةٌ ودقت ودقَها *** ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها

ألا ترى أنه حذف التاء من أبقلت، وقد كان يمكنه أن يثبت التاء وينقل حركة الهمزة فيقول: أبقلت ابقالها ، صرَّح بهذا في شرح التسهيل وشرح الكافية الشافية .

وهذه الضروات هي رخص أعطيت للشعراء كي يستقيم وزن شعرهم ، و لا تستوي في جوازها على مرتبة واحدة من حيث الاستساغة والقبول عند النحاة ، أو اللغويين ، أو أصحاب الذوق الأدبي الرفيع ؛ فبعضها جائز مقبول، وبعضها الآخر مستقبح ممجوج، ومنها بين بين ، وكلما كثرت في الشعر هبط الشعر ، وحسب القبح على الشاعر ، وقسم الباحثون دراستها على أساس زيادة الحروف ، أو نقصها ، أو التغيير الحاصل في نواحي إعرابها ، ومنهم من درّجها حسب حسنها وقبحها ، والتوسط ما بينهما ، وبعضهم ذهب إلى أن الضرورة تأتي على ذهن الشاعر لحظة الإلهام ، ولا يحسب لهذه المقاييس حساباً ، فما الجدوى في التقسيم ، ونحن حاولنا أن ننتهج الطرق الثلاثة ،وأشرنا للحذف والزيادة و التغيير ، والله مغير الأحوال ، ونكتفي بهذا المقال ، وإليه المآل ، والسلام معكم ، والشكر لكم .