سلاما يا عراق: أمن العدل يا ابن الخضراء !؟


في أيام دراستي للدكتوراه في مدينة كارديف البريطانية منتصف الثمانينات التقيت "مستر ياسري" المعارض الإيراني لأسلمة دولته. كان علمانيا حد النخاع وقارئا ممتازا يشير بدقة إلى مواطن الخراب الذي يراه قد حل وسيحل بإيران. ذات ليلة قلت له أكاد أخمّن من حديثك ان ايران لم يبق بها أمل في حياة. ابتسم ورد علي بثقة "الأمل موجود ما داموا لم ينتهكوا حرمة البيت والعائلة الإيرانيين". وما الذي يمنعهم؟ يمنعهم الذي منع يزيد من ان يمنح سكينة بنت الحسين جارية لضيفه. يعني؟ سيسقطهم الناس ولن تشفع لهم أي ذريعة ان هم فعلوها.
تذكرت "مستر ياسري" وانا أتابع أخبار ما يحل بعوائلنا في منطقتي اليوسفية واللطيفية المتجاورتين من مذابح وانتهاك للحرمات. لم يرتو الإرهابيون من دماء اهل اليوسفية بالمفرد فصاروا يسفكون بالجملة "شلع". صار الشغل عوائل وليس أفرادا. جبن الحكومة وضعفها وانزواؤها بعيدة عن الشعب شلّ غيرتها فلم تقل كلمة مفيدة أو تتحرك خطوة شجاعة واحدة رغم أنها مدعومة بمئات المليارات من ميزانية الشعب الذي تنتهك حرمته كل يوم.
في الرابع من هذا الشهر نقلت الأخبار "أن مسلحين مجهولين اقتحموا منزلين في ناحية اللطيفية جنوب العاصمة بغداد، وقتلوا أسرتين تتكونان من 25 شخصا بينهم أطفال ونساء، فيما زرع مسلحون عبوات ناسفة في محيط منزلي الضحايا وقاموا بتفجيرهما فوق جثث القتلى".
في العاشر من هذا الشهر جاء في الأخبار، أيضا، أن "قوة من الشرطة عثرت، مساء الثلاثاء، على جثث ستة أفراد من أسرة واحدة اختطفوا في وقت سابق من بينهم امرأتان وبدت عليهم آثار إطلاقات نارية في الرأس والصدر .. مشيرا إلى ان قوة أخرى عثرت أيضا على أسرة ثانية مكونة من ثمانية أشخاص اختطفت في وقت سابق، بينهم امرأتان، مرمية على جانب الطريق في الناحية ذاتها".
أما أمس فقد اكمل الإرهابيون سبحتهم بخبر يقول "200 عائلة في اللطيفية تهجر المنطقة بعد مفاوضات مع القاعدة". المصدر الأمني من شرطة بابل يعلنها صريحة انه في "اليومين الماضيين شهدت اللطيفية اشتباكات أعقبتها مفاوضات بين العوائل الشيعية وتنظيم القاعدة الذي طلب منهم النفاذ من المنطقة بأرواحهم وترك ممتلكاتهم ومواشيهم وبساتينهم". وأردف بالقول "للأسف وهو ما حصل".
اللطيفية هذه اعرفها جيدا اذ أنها كانت أول منطقة أتعين بها معلما. أهلها كانوا من أطيب الناس وأكرمهم. لم اسمع فيهم من قال كلمة طائفية واحدة. كل المعلمين الذين معي كانوا شيعة وكانوا يحظون باحترام الأهالي وتقديرهم. قطعا غزاها الغرباء فصار يعملون سكاكينهم في رقاب الأبرياء. غرباء يحكموننا وغرباء يذبحوننا!
تذكرت أحد طلابي، الذي التقيته في ما بعد لاجئا مع عائلته بالسويد. اتصلت به لأستفهم منه اكثر. قال لي ان قالوا 200 عائلة فقد كذبوا لان مئات العوائل صارت تهاجر. سمعت صوت بكاء امرأة فعرفت منه انها زوجته. وما الذي أبكاها .. هل ان عائلتها قد هجرت أيضا؟ لا يا أستاذ بل لأنها سمعت بان المهجرين كان يشكرون القاعدة لأنها أبقتهم على قيد الحياة شريطة ان يهاجروا بطرك اهدموهم بعد ان أخذتهم اسرى هم ونساءهم وأطفالهم!
ودعته حائرا بالذي سأكتبه عما سمعته. تحول الكون كله إلى صمت ليس فيه غير وجه "مستر ياسري" وصورة يزيد وسكينة بنت الحسين، وصائحة تصيح:
أمن العدل يا ابن الخضراء، تخديرك حرائرك وإماءك، ونساؤنا قد هتكت ستورهن تهجرهّن القاعدة إلى حيث تشاء وأنت لا خير فيك ولا رجاء.