المالكي والفرصة الاخيرة |
كثيرا ما يحاول رئيس مجلس وزراء العراق اظهار نفسه انه شخص وطني وغير طائفي ولكن سرعان ما تتسابق الاحداث التي يمر بها العراق وتراه يتخندق طائفيا من اجل البقاء في منصبه والتمسك بكرسي الحكم وهو يحاول مرارا وتكرارا الاستخواذ على كافة مفاصل الدولة العراقية مع انه كان من اشد منتقدي ومعارضي النظام السابق , ولكننا نرى اليوم ان تصرفاته قد فاقت النظرية الدكتاتورية حيث اصبح يقرب الاشخاص الطائفيين ويبعد الوطنيين , بل ويتهمم بابشع وشتى الاتهامات التي تنال منهم ومن مواقفهم الوطنية مستغلا بذلك سلطته لكونه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الداخلية و المشرف على امن البلاد , ونتيجة لهذه التصرفات ولاهماله لارادة الشعب وحرمانه من ابسط استحقاقاته ومنها الخدمات الاساسية والصحة وايجاد فرص العمل والتي خضنا في غمارها في مقالة سابقة فان عجلة البلاد تتراجع باستمرار باتجاه العنف الذي اصبح يتزايد يوم بعد يوم مستهدفا المدنيين وبطرق تكتيكية وفنية تهدف اسقاط عدد كبير من الضحايا يستغلها الارهابيون لاثبات فشل القائد الامني الاوحد لحكومة العراق الحالية , الا ان المشرفين الامنيين العراقين لم يفهموا هذه الرسالة التي تريد اثبات فشل خططهم ولم يقدموا الاستراتيجية البديلة لذلك او محاولة حل الازمة جذريا نرى من خلال تصاعد مو جات العنف في العراق واستهداف ابنائه , يظهر القائد الامني العام مهددا ومتوعدا بالقصاص من هؤلاء ومهدد بالسير على خطى السيسي في فض اعتصامات رابعة العدوية وميدان التحرير في مصر وباتخاذ نفس الطريقة اتجاه معتصمي الانبار ونينوى وصلاح الدين متناسيا التركيبة الديموغرافية للعراق بان هذا الشيء لن ينفع معهم ولكن سياسة رجال الدولة هي الكفيلة بان يشعر كافة العراقيين بانهم مواطنين من الدرجة الاولى وان رئيس حكومتهم بعيد كل البعد عن الطائفية والاقصاء والتهميش , فالكل يعلم ان المالكي عندما يقع في ازمة يتجه الى التخندق الطائفي لانقاذه منها خوفا من تقديم تنازلات للجانب الاخر وما قيامه بالعمليات العسكرية مستهدفا مناطق معينة و شريحة من ابناء البلد ما هي الا براهين لتكريس سياسته الخاطئة اتجاه ابناء شعبه لقد كان الجزء الاخر من الفشل بعد عام 2003 يتمثل بانهيار وتفكيك مؤسسات الدولة الاساسية دونما وجود بديل يحل محلها. وما ان تنامت الميليشيات حتى لم تعد تبحث عن القوة العسكرية فقط بل راحت تريد السلطة السياسية والثروة الاقتصادية أيضا كما ذكر الباحث السيد كينث بوليك من معهد بروكنكز في واشنطن كما وان للمليشيات الدور المتصاعد في الساحة العراقية الان بعد ان كانت في فترة سبات نسبي بعد النشاط الذي قامت به منذ مطلع عام 2006 , وحسب ما نقلته رويترز قبل فترة فان مستشار للمالكي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الموضوع “يعتقد السياسيون الشيعة أن أفضل طريقة لإبقاء المقاتلين السنة المتطرفين خارج العراق هي ان يظلوا مشغولين بسوريا.” خاصة وان قادة هذه المليشيات يتجولون في وسط العاصمة بغداد دون اي تردد او خوف من الدولة بل ويقومون باجراء لقاءات تلفزيونية على الهواء مباشرة كما حصل مع زعيم مليشيا حزب الله في العراق واثق البطاط في برنامج سحور سياسي على قناة البغدادية فمن هنا يمكننا الحكم بان الفرصة الاخيرة لتحسين احوال البلد قد شارفت على الضياع دون الاستفادة مما مر به البلد خلال السنين الماضية ودون الاستفادة من تجاربه السابقة مما يؤسف له أن رئيس الوزراء نوري المالكي كان ولازال يحكم العراق بعقلية حزبية وليس عبر منصب رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة كما وان الحلقة الضيقة المحيطة بالرجل لم يوفق هو نفسه باختيارها ان لم تكن مفروضه عليه فكانت من أكثر الزمر نفاقا له ومتفوقة فسادا وهو خطأ يقع فيه كل من ينظر بعين واحدة قاصرة للامور ولا ترقى نظرته الى حساسية واهمية الكرسي الذي يجلس عليه , ويتحمل المالكي من جهته المسؤولية باحاطة نفسه بشخوص قاصرين فاقدين للاهلية والكفاءة من جهة اخرى فضلا عن البيانات الخاطئة التي تقدم اليه وقد اثبت في اكثر من حدث انها بيانات غير دقيقة ان لم تكن مزورة وغير واقعية، وبالتالي فهو ومكتبه السياسي يتحمل اخفاقاته العديدة والمتكررة كما ان لدائرة المقرّبة والمغلقة حول المالكي صوّروا له ان بامكانه حكم العراق بمعزل عن الاخرين بما في ذلك المرجعية الدينية في النجف باعتبار انه يحكم دولة غير دينية خصوصا وأن حزب الدعوة الأسلامية لايعترف في أدبياته بنظرية الولي الفقيه، هذا من جهة , ومن جهة اخرى فقد توهّمت كثيرا تلك الدائرة بأن من تكون علاقته طيبة مع أمريكا عبر سفارتها في بغداد والسفارة العراقية في واشنطن والتعاقد مع الشركات الامريكية للعلاقات العامة لتحسين وجهها , فانه سيحكم العراق متى شاء وكيفما شاء وهذا خطأ لم يقع فيه المالكي فقط، وانما هو ارث سياسي تتوارثه الانظمة العربية باختلاف مشاربها وتنسى بعد فترة من الزمن أن السلطة الحقيقية هي بيد الشعب وستعود اليه يوما وحينها ستتخلى امريكا عنهم لايمانها با رادة الشعوب، وهذا ماحصل مع الانظمة العربية المستبدة في ما يسمى (الربيع العربي)، وهذا ماسيحصل ايضا في الانتخابات التشريعية العراقية القادمة التي سيخسر فيها حزبه تفويض الشعب الكبير الذي منحه اياه من قبل ان هو استمر على هذه الحال من التنكّر من جهة والتعكّز على غيره من جهة اخرة واسلوبه بالتعامل مع الشركاء في العملية السياسية . من خلال ما تقدم فيمكننا تلخيص فشل المالكي بالاسباب التي أهمها , أن الرجل قد أصيب بداء يصاب به كل من يتسنّم حكم العراق، والسبب الثاني عدم قدرته على اجتذاب شركاؤه في العملية السياسية للتعاون الايجابي , أما ثالث الاسباب وليس آخرها فهو عدم خبرته وتذبذبه مع تخبّطه وأنتقائيته في التعامل مع الملفات الحسّاسة وأهمها ملفات الأمن والفساد والخدمات. |