ما يغيـّر طبعه لو قص صبعه !

 



رفض الأمير بدر الزمان طلب أبيه السلطان  بتزويجه من ابنة ملك دولة بني مرجان المجاورة  ، لاعتقاده أن المرأة الفقيرة تقدر وتحترم الحياة الزوجية أكثر من أميرات الطبقة المخملية والأرستقراطية ، وذات يوم وبينما كان الأمير الشاب يتجول متنكراً وسط السوق  لمح حورية من الجنة تخط بأقدامها الأرض ، لكن تستعطي الناس وتشحذ قوتهم بصحبة أمها العجوز ، فتعقبها  حتى عرف مكان سكناها ، فأخبر أبيه إنه يريد الفتاة التي بالسوق وألح على طلبه ، فلم يتقبل السلطان الفكرة ، لكن إصرار الأبن دفعه إلي دخوله السوق مع وزيره النعمان كي يتكشف الأمر بنفسه ، فوجدا الفتاة التي أخبر عنها الأمير ، فتوقفا عندها وسألوها وأمها عن حاجتهما ، فقالت الفتاة : فقرنا مدعـق ، وأمرنا مقلق ، وكسرة الخبز بدارنا رق ، ولنا في سد الرمق عازة ، والسؤال لنا عادة ، والله لنا فيما نقول شهادة .. فسألها عن العجوز التي تصاحبها، فقالت : هي شمطاء بلغت من الكبر عتياً ، وأنا أصغرهن عمراً فتياَ ، وليس لنا راع أبياَ ، فعرض عليها السلطان الزواج من أبنه بدر الزمان ، فوافقت لكن بشرط ، فهمست بأذنه ، فأجابها السلطان قبلنا بشرطك ، فتم الزواج .

أنقضى شهر على زواجهما ، وتعود الأمير على فقدان زوجته ذات الحسن والجمال داخل إحدى غرف القصر ُقبيـل المغرب ، وذات يوم ، زاره الفضول أن يعرف مايجري داخل تلك الدار ، والتي اشترطت هي على تجهيزها باتفاق مع أبيه السلطان قبل الزواج وحسب مواصفاتها ، فدخل الأمير خلفها خلسة ، وإذا به يجدها لابسة ثيابا رثة كالعثة  كما كانت تلبس أيام فقرها بالسوق ، والغرفة مليئة بخزانات كبيرة ، وبها عشرات الأبواب المنتشرة حول الغرفة ، وبصحبتها إمرأة عجوز ، وكلما وقفتا عند باب طرقنه ، وفتحنه ، وأخذن منه هبشه مما فيه من البقوليات أو الأرز ، وضعنه بالكيس الذي معهما ،  وأثناء مشيهما تكرر الأميرة من قول " أعطوني مما أعطاكم الله .. لله يامحسنين ، أنا يتيمة ، وأمي مريضة " ، وهكذا تفعل مع باقي الخزائن .

زجرها الأمير من خلفها بصوت غاضب ماهذا ! " وصفعها ، وأزاح اللثام عن العجوز التي معها، وإذا هي إحدى جواري القصر ، فبكت الأميرة ، وبينما هم كذلك ، دخل السلطان مع الوزير ، وقال لأبنه الأمير : يا بني ، من شـبّ على شيء شاب عليه ، وأنا أردت أن تكتشف هذا بنفسك ، فالدنيا تجارب ، وأنت بفلواتها محارب ، فأختر أي المواقع لك ، وما يناسبك منها .

عزيزي القارئ الكريم ، عنوان المقال مثل عُماني ، وكان أصله " ما يصبر عن طبعه ، لو قص صبعه ، وأنا غيرت به ،  والرسالة التي أردت إيصالها إلي عقلك ، إن معظم الناس متطبعون على شئ أو فعل منذ الصغر ، وهي نواة زرعناها فينا وكبرت معنا حتى أصبحت شجرة معمرة من السلوك والعادات التي تعودنا عليها وأصبحت عادة ، سواء إيجابية أو سلبية ، ولهذا يقول الإيطاليون : لاتربي القط الكبير ، أي شجرة العادة المعتادة لديه كبرت ويبست ، ولا يمكن تغيير سلوكه أو طباعه حتى بالاعوجاج .

يقول جاي كارتر في كتابه " رجال سيئو الطباع " : لقد كان هتلر مولعا بالتحقير من شأن الآخرين . والذين ينتهجون نهج (هتلر) لن يألوا جهدا في السيطرة عليك , ذلك أنهم على استعداد للمضي قدما في مخططهم , حتى لو كان ذلك على حساب أصول اللياقة ليحققوا أهدافهم ، وإننا لا نبحث عن شخص يؤلف أشعارا بليغة ، أو شخص يقضي وقتا ممتعا مع الجدات في دور المسنين ، أو شخص يحافظ على علاقاته العاطفية بنا . أننا نريد الأشرار أن يتميزوا بالقبح , وتمتلئ وجوههم بالنتوءات , وتهدر أصواتهم الشريرة .. أننا لا نريدهم وسيمين ولا ساحرين ولا محبين للمرح ، كما هي حالهم غالبا .. إن الأمر المدهش في الأشخاص المعادين للمجتمع أمثال هتلر أنه ليس لديهم أية نية مبيتة لنشر الشر ، فهم لا يستيقظون كل صباح ويحدث كل منهم نفسه قائلا (اليوم سأكون شريرا إلى أبعد الحدود) ، والواقع أن من منظورهم مقصور على تلبية احتياجاتهم،  فيستغلون الآخرين ويسيئون معاملاتهم لأغراضهم الشخصية ، وللأسف فالضرر الذي يلحقونه بالآخرين لا سبيل لدفعه .

لكن ، هذا لايعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام أصحاب العادات السلبية ، وخاصة من نعيش معهم ، فربما هم شركاء معنا مباشرة بالحياة ، كزميل العمل أو الأسرة ، أو الجار فلدينا بعض الفرص للحد من تلك الطباع أو التحكم في وقت بروز العادات السيئة ، كأن نتحكم بمسبباتها والمهيجات لها ، وعدم تكرار تلك الطباع أمامنا ، ومحاولة الانصهار معه كي نفهم سلوكياته ، وخاصة من قبل المهتمين لأمره كالزوج والزوجة ، وأيضاً معرفة أهوائه ، والمؤثرات على أوصافه وانفعالاته ، أو ربما السبب أشخاص يتحسسون من الجلوس معه ، ونحن لا نعلم بذلك ،  فتجد الشخص صاحب الطباع السيئة في التعامل ، يديم الصراخ والانفعال والتلميز والتهميز لشخص لا يستسيغه ، أو ربما أنت المقصود ! ، ويبقى إن نؤمن بأن التغيير يبدأ منا نحن تجاه الأشخاص والمجتمع ، والذي سيعود بالسلبيات على نفس المجتمع قبل أن يتفاقم ويكبر ، ولكل منا تجاه أنفسها مسؤولية ورعاية ، والتغير والتعديل من السلوك السلبية واجب من النفس أولاً ثم مع من حولنا ، يقول تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ / سورة الرعد / 11.