أزمة سوريا: التردد الأمريكي والقوة الثالثة ..!

 

أحدثت الأزمة السورية وذروتها في قضية استخدام الكيمياوي والضربة العقابية تغييراً دراماتيكيا في مواقف الدول الكبرى الفاعلة بالشأن الدولي ، ولانغالي اذا قلنا أن خارطة التوازن تمر بتحول استراتيجي ربما تثبته الأيام القليلة المقبلة .
تبدأ خارطة التغيير بتتابع زمني وإجرائي عندما فشلت أمريكا بإقناع مجلس الأمن بإصدار قرار بالعقوبة ، ثم إنسحاب بريطانيا من تحالفها الستراتيجي مع امريكا وإخفاقها بإقناع أي من دول أوربا الحليفة بالإشتراك في ضرب سوريا والإقتصاربالدعم الفرنسي ، هذا على الصعيد الدولي ، أما داخليا فلأول مرة يحدث ان يظهر الرئيس الأمريكي بهذه الصورة من الضعف والتردد ، فقد أعطى الأوامر بالتأهب واستخدام القوة ثم تراجع ليرهن الموقف بموافقة الكونغرنس ، ثم انعطف الموقف الأمريكي على المقترح الروسي ، الذي فتح مسرب جديد للأزمة خفف من التعبئة والتصعيد الحربي ...! 
امريكا تخرج عن سياقها الدولي الذي عرفت به منذ سبعين عاما ، يتبعها الموقف الذيلي لبريطانيا ، مع صمت أخرس للموقف الأسرائيلي ..؟
العالم ينظر بدهشة وغرابة لما يحدث بعد ان تعطلت القياسات التقليدية للمراقبين والمراكز الإستراتيجية للتحليل السياسي والعسكري ، التي وجدت حساباتها خارج السياق التقليدي ايضا ..!
الكل ينشغل الآن بقراءة اسباب هذا التردد الذي وضع الرئيس الأمريكي بموقف المحارب المتخاذل ، والخوف من الضغط الدولي وفقدان زمام القوة والدور .؟
السبب بحسب رأيي يعود الى القوة الثالثة التي ظهرت على المستويين السياسي والعسكري وتتمثل في النشاط السياسي الفعال لإيران ، وتهديدها بخوض المعركة دفاعاً عن سوريا اذا توسع العدوان ضدها ..وتهديد ايران يعني كارثة ستصيب امريكا و العالم في قلبه الإقتصادي النفط .
الأمر الثاني والذي يتقاسم الأهمية مع الأول وجود حزب الله قوة عسكرية حربية فدائية استشهادية قادرة على إحداث اضرار جسيمة جداً بإسرائيل ..، وحزب الله اذا قال فعل كما يعرف ذلك أعداؤه الأسرائيليون ..!
هاتان القوتان تمثلان بحسب رأيي ظهورالقوة الثالثة التي ستحقق توازن ثلاثي لردع سياحة النفوذ الأمريكي ، ويضعه امام مفترق جديد ، واسميها بالقوة الثالثة بتوصيف ان امريكا وحلفائها تمثل القوة الأولى ، وروسيا والصين تمثل القوة الثانية ، وايران وحزب الله وحلفائهما يمثلان القوة الثالثة .
الأزمة السورية وأحداث السنوات الثلاثة الماضية وصمود ايران رغم الحصار الدولي يقترح هذا التصنيف الدولي ، كما يؤكد الخلل والتغيير الذي ينبغي ان يستفيد منه العرب لتعويض ضعف موقفهم التاريخي ، وتابعيتهم للقرار الأمريكي
الأيام القليلة المقبلة والظروف التي تحيط الضربة السورية ، سوف تحكم على دقة هذا الرأي والإستنتاج الذي سيغير كثيراً من طريقة التفكير لدى الحكومات والدول ، كما يغير مناهج القياس والرؤية للتحليل وقواعد العلوم السياسية ومهيمنات مفاهيم القياس التقليدي للمواقف.