قرية الصحين.. قصر عائم وفندق صغير |
قرية الصحين في الاهوار الوسطى... استقبلت سياح من بلدان مختلفة وضمت القصر الوحيد لصدام حسين في الاهوار
باتجاه الاهوار على بعد سبعة كيلومترات جنوب ناحية العدل التي تبعد عن مركز محافظة ميسان قرابة الخمسة واربعين كم تقع قرية صغيرة تسمى "الصحين"، وكما هو الحال مع معظم قرى الاهوار فإن المباني في قرية الصحين مشيّدة من القصب والبردي، وكل منها يقف على جزيرته الخاصة به. يمتهن معظم سكان الصحين صيد الاسماك، اضافة الى زراعة الرز في بعض المواسم، كذلك المهن البسيطة المعروفة في الاهوار الوسطى.
لفترة ليست قصيرة كانت القرية واقعة تحت وطأة الاقطاعي مجيد الخليفة وابنه فالح قبل مقتله، لم يكن فالح ولا ابوه مجيد استثناءا من البطش الذي يمارسه الشيوخ بحق الفلاحين البسطاء، سكان القرية كانوا يزرعون الرز ويتخلّون عن جزء منه لمجيد لانه صاحب تلك الارض. ومن يتمرد على ذلك فعليه ان يبتعد في عمق الاهوار بعيدا عن بطش الاقطاعيين.
استمر الحال هكذا حتى احداث الرابع عشر من تموز 1958، اذ تغيرت المعادلة ولو مؤقتا وتحرر الفلاحون من سلطة الشيوخ المسيطرين على تلك المناطق. في ذات العالم تأسست اول مدرسة ابتدائية في قرية الصحين، وبعد ذلك بأحد عشر سنة اي عام 1969 بني فيها مركز طبي رئيسي، حيث تتوفر فيه امكانيات طبية اكبر بالقياس للقرى الاخرى ويديره طبيب، فيما تدار المراكز الطبية الاخرى من قبل معاوني اطباء.
في السبعينات من القرن الماضي بني في تلك القرية الصغيرة فندق صغير عائم، في ذلك الفندق استقر فريق التصوير لفلم "الاهوار" الذي اخرجه قاسم حول في العام 1975، حيث اقاموا في قرية الصحين ومنها يعدّون العدة لجولات التصوير، بل صوّرت الكثير من مشاهد الفلم هناك. ولهم في تلك القرية ذكريات شيّقة طالما تحدث عنها قاسم حول في مناسبات مختلفة، وفي ذلك الفندق استقرت الكثير من الوفود الاعلامية والسياح الذين يرغبون باجراء جولات في الاهوار. في تلك القرية ايضا كان يقام مهرجان سنوي للمشاحيف يشارك فيه الكثيرون من ابناء الاهوار الوسطى.
عام 1983 زار صدام حسين مناطق الاهوار، وأمر ببناء قصر عائم او دار ضيافة له في قرية الصحين، وهو القصر الوحيد الذي بني في مناطق الاهوار. بعد اسابيع من زيارة صدام حسين بوشر في عملية البناء وافتتح بعد بضع سنوات. وبعد ان اكتمل بناء القصر اصبحت قرية الصحين بكاملها تحت الانظار بشكل مبالغ فيه، على تلك الحال مرّت السنوات وانقضت الايام، بحذر بالغ يمر الناس بالقرب من تلك القرية، ويزداد الحذر كلما اقترب احدهم من القصر، هناك قصر الرئيس وهذا بحد ذاته سبب كافي لفرض اجراءات استثنائية في بلد المنظمة السرية، سارت الامور هكذا وزادت تعقيدا في السنوات الاخيرة من عقد الثمانينات حينما استقر الجيش هناك قرابة السنتين.
وما ان حصلت احداث العام 1991 حتى انقلب المشهد رأسا على عقب، تمردت قرية الصحين على السلطة الحاكمة ومنعت اجهزة الدولة من الاقتراب، حاول الجيش الوصول الى هناك لكنه فشل، لقد واجه مقاومة شديدة جدا، ارهقت كاهله، وبعد سلسلة من الهجمات المتتالية في الاعوام 1991-1993، اقدمت السلطة انذاك على تجفيف الاهوار، وعلى مهل اختفت الابتسامة عن محيّا قرية الصحين.. واختفت ملامحها للابد، لتصبح مجرد ذكرى ليس اكثر، ذكرى الصحين سوف تبقى عالقة بكل من مرّ عليها عابرا او سائحا او عاملا هناك، وذكرى قبل ذلك في ذاكرة ابنائها الكثيرين ومنهم شخصيات مؤثّرة في المجتمع العراقي، وكما هي عادة الكثير من المناطق العراقية فقد ترعرع في الصحين جيل من توجهات مختلفة وتكاد تصل حد التباين، هكذا كانت الصحين قرية للتنوع على بساطتها وتواضع المستويات العلمية فيها
gamalksn@hotmail.com |