حلول أمنية متخلفة

 

التخلف هو سيد الموقف في هذا البلد ، وها هو يبسط عبائته السوداء المغبرّة على كل نواحي الحياة ، حاجبا عنا الانفاس ونور الشمس ، وصار نهجا ، يلوذ به أصحاب القرار ،ليبرروا به قراراتهم المجحفة والظالمة ، من عديمي الخبرة ، والفاسدين وقد أتى بهم الزمن الأغبر .
كان قادتنا يلجأون  منذ عشرات السنين الى اسهل الحلول وأغباها على الأطلاق في كل المسائل السياسية والأمنية والاقتصادية ، وأقصد أسهل الحلول هي بالنسبة لصانع القرار ، ومَنْ بيده الحل والربط ، لكنها كالجحيم بالنسبة المبتلين بهكذا سلطات .
للتخلف في هذا البلد ، اشكال وألوان ، وأنواع ، تجدها في كل زاوية وقرار وناحية ، لكني أقصد النواحي الأمنية في هذا البلد المبتلي بالارهاب كالسرطان ، وقد سخّره الكثير من السياسيين ،واستفاد منه الجزء المتبقي منهم !.
جلاوزة الطغاة يلجأون عادة الى التعذيب لأنتزاع الأعترافات ، والانتقام السادي من قرية أو مدينة بأكملها بل وبأبادتها بالنار والحديد ، بحجة ايوائها لمخربين ، لكون أخر ما يفكرون به هو أحترام المواطن وحقوقه ،وصل الأمر الى أعدام 30 شخص بسبب وجود مُذنب واحد (بنظر السلطة وليس القانون البشري)، وعندما تطوّرت حقوق الأنسان ، وصارت له منظمات للتنظير والمراقبة ، ومع تطوّر التكنولوجيا  انحسرت هذه الأساليب الحقيرة وأستبدلت بأخرى أكثر ذكاءً ، ولا زلنا بعيدين كل البعد عن (الحل الذكي) .
الجميع يعلم ، ان الاستخبارات الكفوءة التي يديرها كادر متمرس (وهو متوفر ، لكنه مُستَبعَد) ، المُسلّح بالتكنولوجيا الحديثة ( وهي متوفّرة أيضا في الأسواق العالمية) ، هي الحل الاكثر واقعية ، وبدلا من ذلك ، استوردوا أجهزة فاشلة جعلتنا أضحوكة أمام العالم .
الكادر الذي يدير الملف الأمني ، يجب أن يكون محايدا ، فوق الميول والاتجاهات ، ولاءه للوطن فقط ، وليس للاحزاب والكتل والتيارات ، يتمتع بحس أمني سليم وذكي ، ولهذا فمفردة الأستخبارات  (Intelligence) في اللغة الانكليزية تعني (الذكاء) ، ومثل هذا الجهاز ، غير متوفر بهذه الروح ، فالكل يزيح النار الى قرصه ، ويتغاضى عن جرائم بني جلدته ، بل يتحول الى مدافع عنهم .
الحلول الأمنية كلفتنا مليارات الدولارات بسبب الغباء (عكس الاستخبارات) ، حوّلنا أحيائنا السكنية الى دويلات ، وأحطناها بالكتل الأسمنتية ، سيطرات بالمئات لا تفتّش !، وبالمقابل ، تفاقم وتردّي خطير ، وهنا تمخّضت عقول جهابذة الأمن لدينا عن قرارات قرقوشية ، فضيّقوا الخناق على سيارات (المنفيست) ، وكبّلوها بنظام الفردي والزوجي ، ليزداد الوضع خطرا من بضع سيارات تتفجّر على المواطنين الى العشرات في اليوم الواحدد في تحدٍ واضح ، والموطن البريء ، هو الوحيد الذي يدفع الثمن ، ولكون سمة رجال الأمن لدينا هو معالجة الخطأ بالخطأ ، فعمموا هذا القرار الجائر على جميع السيارات ، عدا السيارات الحكومية والحمل وسيارات الأجرة ، كذلك سيارات الأطباء ، ولا أعلم لماذا لا يستخدم الطبيب سيارة الأجرة ، فلا عاصم له من السيطرات اذا استخدم سيارته الخاصة ، وأعرف الكثير من الأطباء ، بدخل يصل الى مليون دينار ليس في الشهر ولا اليوم انما في الساعة !.
فتحت هذه القرارات ابواب (الرزق) على مصراعيها لشريحة (ارباب السيطرات) ، فصديق لي تعرض الى ابتزاز الفردي والزوجي فقال الشرطي له ( حجي ، تريد 10 لو 30)؟! ، وطبعا أختار صاحبي دفع الأتاوة ، لا لشي سوى انه تعرّض سابقا الى نفس الموقف وأختار الـ (30) ، لكن الشرطة الأشاوس أضاعوا له (سنوية السيارة) ولم يجدها الا بعد جهد جهيد !. 
وتنكفئ (السلّة) على المواطن البسيط الذي يعيش يوما بيوم ، ولكن لا بأس ، فقطع أعناق المواطنين ، ولا قطع ارزاق السياسيين !.