إنتخابات الأقليم ، والعودة الى الصَف الوطني

 

دأبَتْ السلطة الدكتاتورية الصدامية ، على إطلاق تسمية ( الجيب العميل ) على المُلتحقين بالحركة التحررية الكردية ، بعد منتصف السبعينيات .. وكان يصدف ان تضطر الظروف ، أحد المُلتحقين ، للرجوع الى المُدن وتسليم نفسهِ الى السُلطات .. فكان يُقال عنه : أنه ( عادَ الى الصف الوطني ) ! . وإنتهجتْ الحكومة سياسة تُشّجِع الكُرد على العَودة الى ما كان يُسمى الصف الوطني ، وذلك من أجل إضعاف حركة المقاومة المسلحة . 
وفي الواقع ، فان مُسلسل " الإلتحاق " ، ومن ثُم " العَودة " ، قديمٌ على الساحة السياسية العراقية عموماً ، والكردستانية خصوصاً . ففي الستينيات ، إنشَقَ ( الجلاليون ) ، أي جماعة إبراهيم أحمد وجلال الطالباني ، عن ( الملايِيين ) أي الحزب الديمقراطي ، أي جماعة المَلا مصطفى البارزاني . وعقب إتفاقية آذار 1970 ، إنفرط عقد الجلاليين وعادوا الى " الصف الوطني " ! ، وبعد إنتكاسة 1975 ، فّرَخ الحزب الديمقراطي المنتكس ، عدة تنظيمات جديدة ، أبرزها " الإتحاد الوطني " و " حزب الشعب " و " الحزب الإشتراكي " ... الخ .
بَعدَ ان حوصِرَ " حزب الشعب " منذ 1991 ، وحورِبَ بقسوة ، فلقد إضطَر ان يحل نفسه ويلتحق ب " الصف الوطني " ، أي بالحزب الديمقراطي . ففي حين إنصاعتْ الأغلبية العظمى لقرار قيادة حزب الشعب ، بالتوحيد مع الحزب الديمقراطي ، فأن قِلَة قليلة إعترضتْ وغادرتْ الى بلدان المهجَر !. 
كذلك إلتحق المئات من الشيوعيين بالحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني خلال العقدين الماضيين ، نتيجة لعوامل عديدة ، من بينها الحصول على وظائف ومناصب وإمتيازات .. حيث يُشاع مُمازحةً أنهم عادوا الى الصف الوطني !.
وفي أواخر 2008 وبدايات 2009 ، إنشَقَ " نوشيروان مصطفى " ومجموعة من قيادات الإتحاد الوطني ، وشّكلوا " حركة التغيير " قُبيل الإنتخابات .. ولكن نتيجة المُحاربة في الرزق ، وضغوطات مُختلفة اُخرى .. فأنَ قسماً من المنشقين ، عادوا " الى الصف الوطني " ، أي الى حُضن التنظيم الأُم ، الإتحاد الوطني ! .
وخلال الفترة الأخيرة ، نشطتْ الإلتحاقات والعودات ، بين أوساط الاحزاب الرئيسية الكردستانية ، كنتيجة لعمليات الضغوطات المادية والمعنوية ، والإقناع والإبتزاز ، والإغراءات والإمتيازات والرشاوي . فكل يومٍ نسمع ، ان المسؤول المحلي الفلاني في إحدى مناطق السليمانية ، العائد الى الحزب الديمقراطي ، مع عشرات من أتباعه ، قد أعلنوا تخليهم ، عن الحزب وإلتحاقهم بحركة التغيير ! . أو ان مجموعة من شباب التغيير في محافظة دهوك ، عادوا الى أحضان الأُم الرؤوم الحزب الديمقراطي . في حين ان الشَد والجذب مُستمِرٌ بين الإتحاد الوطني وحركة التغيير في كَرميان والسليمانية .

- من الشائع جداً في هنا في الأقليم ، ان عوائل من نفس العشيرة ومن أبناء العمومة .. ونتيجة ان الحزب الديمقراطي ، قد إنحازَ الى جانب بعضهم ، في مُنازعة حول الأراضي أو غيرها ، بِغض النظر عن ، مَنْ هو الأحَق ، فأن الطرف الآخر الذي يشعر بالغُبن ، يلتحق عمداً ، بالإتحاد الوطني ، نكايةً !. والإتحاد يُرَحِب بذلك ويعتبرهُ " كَسباً " ! .
طبعا ، تنتشر نفس الحالات ، بشكلٍ معكوس .. ويعتبر الديمقراطي ذلك كسباً ! . 
- من العادي في الأقليم ، ولا سيما قُبيل الإنتخابات ، أن يُمارَس ضغطٌ كبير مِنْ قِبَل الأحزاب الحاكمة المتنفذة ، على نُشطاء ومُرشحي الأحزاب الاخرى ، وخاصةً الذين ، يُتوّقَع ان يحصلوا على أصوات قد تُؤهلهُم للفوز .. فإذا لم تنجح عمليات إغراءهم بالمال او المناصب او الإمتيازات ، فقد يُلْجأ الى التهديد والوعيد والإرعاب ! . ونتيجة لعوامل مُعقدة ومتشابكة ، فأن العديد من هؤلاء .. ينصاعونَ صاغرين ! .

السياسة في العديد من بُلدان العالم المتمدن ، مازالتْ مُحترمة .. ولا زال الكثير من السياسيين هناك ذوي أخلاق ويحترمون المبادئ .. ونسمع بين الفينة والفينة ، أن مسؤولاً في اليابان إستقال من الحكومة والحزب ، جراء " خطأ بسيط " قامَ بهِ أحد مرؤوسيهِ ! .. أو تخلى زعيم سياسي في السويد عن مسؤولياته ، بسبب شُبهة فسادِ صغيرة ! .. أو آخر في فنلندا أو ألمانيا لأنه لم يكن شفافاً كفاية . ان السياسة في تلك الدول .. تمتاز بالأخلاق والمبادئ عموماً .
في حين ، هنالك إنطباعٌ سائدٌ هُنا .. أن السياسة بلا أخلاق .. وان العديد من السياسيين بلا مبادئ . فمن السهولة بمكان ، ومن أجل الحصول على إمتيازات أكثر .. الإنتقال من هذا الجانب الى ذاك ، وإعتبار ذلك شطارة ومهارة ! .