أنا ومثلي ملايين العراقيين نحمل حباً وإعجاباً كبيرين للنائب عباس البياتي، وكيف لا نحبه ونحن نشاهده في اليوم الواحد أكثر من عشر مرات متنقلا بين البرلمان وبرامج التوك شو، وفي كل مرة نسمعه نشعر كعراقيين بأننا مدينون له بهذه الهمة، فليس مطلوبا من نائبنا الهمام أن يخرج علينا أكثر من مرة في اليوم، لكن هموم الوطن ومصالحه تتطلب منه أن يبذل هذا الجهد الذي يأخذ من وقته الكثير. السيد البياتي أجادت لنا قريحته مؤخرا نظرية سياسية تقول إن المواطن العراقي سيكون الخاسر الأوحد لو أنه لم ينتخب السيد نوري المالكي.. ولم يكتف البياتي بذلك بل أقسم بأغلظ الأيمان أن المنتصر القادم في الانتخابات،إما المالكي أو المالكي. منذ أشهر تساءلت لماذا لا يتحلى عباس البياتي بقليل من الرحمة والشفقة تجاه هذا الشعب المغلوب على أمره الذي يطلب منه دوما أن يتابع تصريحاته المسكونة بالألغاز وعلامات التعجب؟ لماذا يصرّ على أن يحاصرنا في الفضائيات والصحف ويطلق سيلا من الكلمات التي فقدت صلاحيتها منذ مدة طويلة؟ طبعا كنت أتمنى أن يستمع البياتي لكلامي ولكن يبدو أن السيد النائب مصر على أن يواصل تنقله اليومي من فضائية إلى أخرى حاملا آخر البشارات، من ان المالكي باق ابد الدهر والفضل يعود إلى خطبته الشهيرة: " أيها الناس، أين المفر؟ المالكي من ورائكم والمالكي أمامكم، وليس لكم -والله- إلا الهتاف والتصفيق، واعلموا أنكم في هذه البلاد أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، لا وزر لكم إلا أصواتكم ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي " دولة القانون.. أيها العراقيون ما فعلت من شيء فافعلوا مثله، إن حملت صور المالكي فاحملوا، فإنكم إن لم تفعلوا تبوءوا بالخسران المبين " لماذا لا يريد ان يتعلم عباس البياتي ومن يشبهه، إن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالعدالة الحقة لا مكان لها في ظل رجال يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان، بأنه لا خيار أمام الناس سواهم..لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، مستبدون يخيفون الناس، لكنهم عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس.. أدركت الشعوب الحية، أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان وليس نصف إله، يتغير كل فترة لكي لا يتوحد مع منصبه، ويتصور أنه بطل منقذ.. اكتشف العالم أن فكرة دولة الخلاص، إنما هي أوهام يصرّ المستبدون على زرعها في نسيج المجتمع. لقد تطور العالم من العشيرة إلى دولة المؤسسات،. ومن الفرد الحاكم إلى الجماعة التي تدير مصالح الناس.. انتهى زمن مقولة: البلاد تضيع بدون "قائد ضرورة"، قالها القذافي من قبل ويقولها اليوم دعاة دولة القانون.. الناس تريد ان تعرف لماذا العراق دائما فى خطر،؟ فى السلم وفي الحرب؟ لماذا يرى المسؤول نفسه مبعوث عناية من طراز فريد لم يهبط إلى الدنيا على يد "قابلة مأذونة".. لماذا يريد ان يوهمنا عباس البياتي ان مجرد وجود المالكي في المنصب إنقاذ للبلاد، لماذا؟ وهل سياساته ستحل الأزمة؟ فيما الأزمات بوجوده تحاصرنا من كل مكان. في بلاد المؤسسات عاد "الجنرال" آيزنهاور- لا أظن ان عباس البياتي يعرفه – عاد من انتصار الحرب العالمية الثانية وقد جعل بلده أكبر وأقوى دولة في العالم. ولكن في اليوم الأخير من ولايته، كان عليه ان يغادر البيت الأبيض،.. بطل النورماندي لم تعد له أي علاقة بهذا المكان،. ليس للديموقراطية، أي شكل آخر.. سوى شكل تداول السلطة. السيد البياتي لا أطالبك بدفع ثمن الخراب الذي حل بالبلاد، لكنني أدعوك إلى اعتزال الخطابة.
|