جنسية بلا قشعريرة

 

(منته بعيد، انت العين وأكرب من جفنها انت...)
هذه الكلمات مطلع قصيدة للشاعر العراقي المغترب عباس جيجان، كتبها يوم منحته هولندا جنسيتها، ليجدد عهد الحب والولاء والانتماء للعراق.
استحضرت القصيدة بعدما يممت وجهي شطر مديرية الجنسية في نينوى لأجل "عراقية" احد افراد العائلة، رددت الابيات بصوت عالٍ محاولا تقليد اسلوب جيجان المسرحي، حتى خبت جذوة مرحي في زحامات تستطيع تحويل عادل امام من ممثل كوميدي الى "مُلاية".
انتهينا الى وجهتنا حاملين معنا حقيبة مليئة بالمستمسكات الاصلية والمصورة كما يفعل العراقيون اذا روجوا لمعاملة ما. في باحة المديرية مراجعون مكدسون امام الشبابيك، يلفح وجوههم هواء المكيف شديد الحرارة ليتآمر عليهم مع شمس الصيف الحارقة. التدافع سيد الموقف حاولت ان اجرب قوتي، لكن دون جدوى لم اتقدم قيد انملة بعد طول عناء، هناك لن يفلح حتى المصارع الشهير "جون سينا".
لا اكذبكم القول، لجأت الى شرطي من معارفي (يعني واسطة)، دس المعاملة في احد الشبابيك فسارت الامور على ما يرام الى ان وقفت على شباك الرسوم حيث تشكل طابور متعدد، الحجية التي وقفت بجانبي كانت تتصبب عرقا ولا تقوى على الوقوف، ثار غضبها عندما اغلق المحاسب النافذة ليغيب نصف ساعة بالتمام احتجت: كل هذا التعب والعناء من اجل وريجة؟
اخيرا وبفضل وساطة الشرطي انجزت المعاملة ولما كنت انتظر التوقيع الاخير، نودي على شاب لم يبلغ العشرين بعد، وفيما كان يدقق النظر في جنسيته الجديدة، اردت ملاطفته: هسه صرت عراقي رسمي.
اجابني بنبرة حادة: "عود تشفعلي هذي الجنسية من انفجار او ازدحام او اهانة بسيطرة ... لو راح تنطيني حصة من النفط او تؤمن لي فرصة دراسية جيدة او حتى وظيفة؟".
 طوى شهادة الجنسية، وقال قبل ان يغادرني: عيني ابو الشباب "العراقية" ما نتذكرها بس بالمعاملات.
في النهاية اخذت جنسية شقيقي وأعطيتها له، وسألته هو الاخر:
العراقيون المغتربون يفرحون بالحصول على جنسية اجنبية، بم تشعر انت الان؟
وهو ينظر الى ذراعه المكشوفة قال لي: عادي لا اشعر بقشعريرة.
انتم هل تشعرون بقشعريرة عراقية هذه الايام؟