رواية أفكّر بها , وأحاول أن أحوك خيوطها وأنسج أدواتها , منذ عشرين عاما على فترات متباعدة , أي بين سنة وأخرى , كلما سنح لي خاطر طيّب , أو وقت فراغ . وأنى لهذا الخاطر أن يكون طيِّبا ؟ وأين هو هذا الفراغ ؟ فنحن في الزمن المكدَّر والمشاغل والهموم والإلتزامات , والكل يريد منك ويطالبك ويعتب عليك .. العائلة والأهل والأقارب والأصدقاء , والأهم من كل هؤلاء " الشعب " الذي ينتظر من كل مَنْ زعم إنه تطوّع في خدمته , أو إدعى إنه نذر نفسه للعمل في سبيله , أن يقدِّم له خدمة , أو يبرهن بفعل على صدق زعمه وادعائه . كان من المقرر أن أتزوّج عام 1990 م في فندق " عشتار شيراتون " في بغداد الحبيبة , وأقيم فيها حفلة ساهرة صاخبة من طراز رفيع , تُعيد العاصمة إلى أيام أمجاد هارون , وتصبح وتمسي وتبيت مضرب الأمثال والأوصاف . كان ذلك هو مخطط إبن السبعة والعشرين ربيعاً حينها .. بيد أن النتيجة كانت زواجاً في " مخيّم رفحاء للاجئين العراقيين " في صحراء المملكة العربية السعودية ! زواجاً كئيباً بائساً حزيناً , يُخَيِّم عليه الصمت المطبق , لا تسمع فيه إلاّ هدوء الصحراء وسكينتها , ولا ترى في البريّة إلاّ خياماً قريبةً وسراباً بعيدا . لقد ضاع الحُلم الوردي لشباب العراق , وأُدرِجَت مخططاتهم في رفوف النسيان , وانزوت الآمال في خبايا الذاكرة المثقلة بالهموم والقضايا .. وتحولت " عاصمة الرشيد " إلى " بغداد هولاكو " . وبدلاً من أن تحرسنا " عشتار " اله الحُب والجمال , حلّ " نيرون " بجنونه يحرق الشعب والعاصمة معا .
|