ذبّاحون

 

 

 

 

 

 

كتب صديقي الشاعر فاضل الخياط مقالاً سرد فيه كيف كان أهل الحيّ الذي يسكن فيه، في العاصمة بغداد، قد خوّلوه ذبح دجاجاتهم، حتى تحوّل صاحبي إلى ذبّاح الحيّ بلا منازع. ثم يسرد، هذا الشاعر الذي يقيم اليوم في أستراليا، كيف تعرّض لتحد من أحد سكان الحي بأن يذبح خروفاً، إلا أن صاحبنا فشل في هذا التحدي لأنه لم يعرف كيف يصل إلى رقبة الخروف.

يصل الخياط في مسرودته هذه إلى حلم يراوده اليوم، بعد مضي سنوات طويلة على واقعة ذبح الدجاج تلك، ويتلخّص الحلم بسرب من الدجاجات وهنّ يزرنه في المنام. يقول الخياط: اشعر باني كنت محظوظا في فشلي الذريع ذاك. فمن يدري ربما كان ذلك الخروف سينضمّ الى جوقة الدجاجات اللواتي ياتين الي ّفي منامي بين حين وآخر وهنّ يحملن رؤسهن ويسالنني ان اعيدها الى اجسامهن قائلات "بايّ ذنب ذبحت هذه الكائنات المسكينة" واحيانا تردد احداهن قول نيتشه الشهير "لايتفوق الانسان على الحيوانات الا بصفة واحدة هي المكر".

والحق أن ما كتبه صاحبي يحمل في طياته رمزيات لا يمكن تجاهلها. ولعل من أبلغ تلك الرمزيات مقارنته، اللاحقة، بين ذبّاحي الدجاج، على ما في هذا الذبح من شرعية دينية، وبين ذباحي البشر، الذين، من المؤسف تماماً، أنهم، على ما يقولون، يستندون إلى شرعية دينية أيضاً، وهي مقارنة في فعل الذبح نفسه وأخلاقياته مع الفارق بين الذبحين!

وعلى ذكر الذبّاحين، أتذكر أنني، وكنت طفلاً غرّاً، كنت ألتصق بعباءة أختي الكبيرة فاطمة وهي تقطع شارعنا من البيت إلى السوق، وذات يوم، في نهاية الشارع تحديداً، لاحظت رجلاً يقف على باب منزله وهو يدخن. الرجل يرتدي ثياباً داخلية بيضاء، ولأنه باعد بين ساقيه، حين وقفته، فقد رأيت تحتهما خيط دم يمتد إلى داخل المنزل. أفلتّ نفسي من أختي وعدت لأتأكد مما أرى، وكان ما رأيت مخيفاً: ثمّة امرأة منحورة وراءه تماماً. كان الناس ينظرون إلى الرجل، نظرات مليئة بالانبهار، والشك، والحيرة، والحقد، والكره أيضاً. إنها قصة شرف وغسل للعار، على ما أذكر.

مثل هذا المشهد، الذي لن أنساه، صار اليوم عادياً، وكان في زماننا نادراً جداً. مشاهد ذبح البشر يروّج لها اليوم عبر وسائل الاتصال المختلفة. وصارت تلك المشاهد، المصورة بتقنيات حديثة، تدخل إلى غرف النوم، فيما يلهو الصبيان بالمقاطع التي توضّح قطع الرؤوس بالسيوف وكأنها أغنيات عن الحب!

هل يمكن أن يكون الدين، أيّ دين، هو السبب؟ أو قل: هل أن المنظومة القيمية والأخلاقية هي السبب؟ ولأنني لا أحبّذ الخوض في هكذا نوع من النقاش، الذي قد يذهب بي إلى التطرف في بناء الموقف، أعود لأتساءل: إذا كان نحر خروف، على نحو ما روى صاحبي الخياط، بهذه القسوة والصعوبة أيضاً، فكيف يمكن أن يكون ذبح الانسان؟ وأرجوك، لا تحدثني عن مذبوح يستحق الذبح لأنه كذا وكذا.. ففي اعتقادي الشخصي، وأنت غير ملزم به، لا يمكن أن يكون الذبّاح البشري غير مسخ قادم من مستنقع رذيلة يعوم فيه مع الأشلاء ويشرب خلاله الدم.

أبلغ ما علّمتنا إياه الديانات، على اختلافها أن: عيشوا في الحبّ والسلام، ومنهما تنفذان إلى الجنة!