ما بين المثل الشائع "عرب وين طنبورة وين " والقول "عرب وين ديمقراطية وين" , تنمحي الفوارق , ويتحقق التطابق التام المُعَبّر عنه بالسلوك اليومي الفتاك في مجتمعاتنا كافة. فالديمقراطية تحولت إلى مومس عمياء , يواقعها أصحاب النفوس الأمارة بالسوء , وينجبونها سيئاتهم وشرورهم , و بغضائهم وبهتانهم وضلالهم السقيم. العرب قد رحلوا , عن ذاتهم وموضوعهم , ومرابعهم وتأريخهم وتراثهم , وخرّبوا دينهم , لكنهم يدّعون , ويتبجحون , وما هم إلا يخادعون أنفسهم , ويتنكرون لأجيالهم , ويتساقطون في هاوية الإنقراض الأبيد. فتجدهم يقاتلون الجَمال والأمن والسلام والمحبة , والأخوة والرحمة والروح والعقل , ويعفّرون النفس بالمآثم والموبقات والجرائم المقرفات , حتى لتندهش من أفعالهم جميع الموجودات , وكافة المخلوقات. ألا تراهم يحيلون رياض الديمقراطية وجنانها إلى جحيم لهّاب , بعد أن وضعوا على رأسها عمائم بؤسهم , وعقائد عجزهم , ودججوها بأسلحة دمارهم , وزينوها بمكياج بهتانهم , وأطعموها نبيذ دمائهم , حتى أصابها السكر الشديد , وعاشت في غيبوبة وإنقطاع عن معانيها ودلالاتها ومراميها التي تريدها. فأين الديمقراطية يا عرب؟! هل هي حزب واحد , وكرسي جامد , وفرد خالد , وصراعات تجاحد؟! لنبحث عن الديمقراطية الجاثية في خيام ظنوننا وأحلام يقظتنا , وخرائب جهلنا , ومعظمنا يحسبها عارية في مخادع الرغبات المسعورة , بالأنانية والمسجورة في مواقد الحرمان. فبعد عقد من الزمان على دعاوى الديمقراطية , لم يؤسس العرب تجربة واحدة , ذات قيمة حضارية ووطنية معاصرة , بل أنهم لا يزالون منغمسين في مخادعها , ولا يفهمون منها إلا أنها زُفّت إليهم , دون خيارهم وعلمهم ودرايتهم , فأصبحوا كالذي وجد نفسه في مخدع ملكة جمال الكون , وهي مسترخية مذعنة للسيد الأمير والملك والوزير , وما عليه إلا أن يتمتع بها , ويحقق فيها لذائذه وما فيه من رغبات مكبوتة , وتطلعات موؤدة. حتى تحولت الديمقراطية إلى آفة وطاعون , بل إلى وباء مروّع سيقضي على العرب , لأن الدين الجديد صار عقلها وقائدها وراعيها والمستحوذ عليها , وهي لم تعهد ذلك , فما عرفت الديمقراطية زواجا بينها وبين دين , وإنما قد طلقته بالثلاث منذ قرون. فالدين لا يريدها وهي لا تريده , بينما العرب يريدون حشرها بالدين , وما يجري في دولنا هو إغتصاب مروّع , وجريمة بشعة نكراء بحق الديمقراطية التي فقأنا عيونها , وجردناها من ملامحها , وحولناها إلى هراء. فعقولنا ونفوسنا وأرواحنا ووجوهنا , وسلوكنا وتراثنا وتربيتنا وأخلاقنا , لا تملك شيئا منها ولا تعرفها , لا من بعيد ولا من قريب , لكننا نتوهمها , ونحسبها حصانا نركبه ونصول به على الآخرين من حولنا. فديمقراطيتنا , سكين حادة , راحت تقطعنا إربا إربا , وتجزرنا بمدية الدين , وسيوف العقائد الحزبية والفردية , والمذهبية والطائفية , وتبيعنا للآخرين بأبخس الأثمان. فاستيقظوا , وواجهوا أنفسكم , وكونوا في عصركم , قبل أن تسحقكم سنابك الحياة وأمواج الأجيال , التي نفرت منكم ومما تدّعون!!
|