الله يستر من الجايات

 

 

 

 

 

 

وقعت هذه القصة المروعة عندنا في العراق, ولا أظن أن الله سبحانه وتعالى سيسامحنا ويرضى علينا بعد الآن, وربما سينتقم مننا جميعا, رغم أننا لسنا طرفا في الجريمة, أغلب الظن أن مصيرنا سيكون في الأيام القريبة كمصير قوم سيدنا صالح, الذين لم يحتجوا على أشقى أشقياء الأرض عندما أقدم على ذبح الناقة, فلم يمنعوه, ولم يحتجوا عليه, ولم يطردوه من ثمود, فانتقم منهم المنتقم الجبار, وأهلك ثمود ومن فيها بلمح البصر.

لقد وقفنا موقف المتفرج ونحن نشهد وقوع سلسلة من الجرائم الوحشية المبتكرة, ووقفنا موقف المتفرج ونحن نحصي تفاقم وتيرة الجرائم الطائفية والعرقية والإستنزافية والفئوية والإرهابية وعلى الهوية, حتى شهدنا وقوع ملايين المجازر ولم يهتز لنا طرف, ولم يرف لنا شارب, ولم يعرق لنا جبين.

ثم جاءت هذه الجريمة التي نفذها في الناصرية رجل ينتسب إلى سلك التعليم, رجل فاضل يدير مدرسة ابتدائية, يربي فيها الناشئة على الخلق الرفيع, يشرف على دروس تحفيظ القرآن في المسجد القريب من داره الواقعة في ضواحي الشطرة, وهو في الوقت نفسه مؤذن المسجد, وراعي اليتامى والأرامل, ورجل الورع والتقوى. .

أقدم هذا المنافق الدجال على نحر فصيل ناقة صالح, اهتز الكون كله عندما خطط هذا الثمودي الفاسق لخنق الطفل الرضيع (أمير محمد صالح), الذي لم يبلغ العام الثالث من عمره, تصدعت أركان الأرض عندما وضعه في كيس بلاستيكي, حشره في دولاب ملابسه المنزلية (الكنتور), وذهب بخطوات ثابتة إلى أهل الطفل المغدور ليطالبهم بدفع (150) مليون دينار عراقي عداً ونقداً. .

من كان يصدق أن هذه الجريمة المقززة ارتكبها رجل محسوب على السلك التعليمي ؟, ومحسوب على النخبة المتدينة ؟, ما الذي سنقوله بعد الآن لقطعان الرعاع والسرسرية والهتلية والهمج والساقطين والمنبوذين ؟, الذين صاروا يتكاثرون عندنا هذه الأيام بالانشطار ؟. .

من كان يصدق أن هذا المؤذن هو الذي خنق هذا الطفل ؟, ومن كان يصدق أن هذا التربوي هو الذي وضع جثته في خزانة الثياب ؟, ومن كان يصدق أن هذا المتدين هو الذي مارس الابتزاز مع جيرانه أهل الطفل الرضيع الذين فقدوا فلذة كبدهم ؟, فما الذي سيفعله بنا أرباب السوابق بعد الآن ؟, وما الذي ستفعله بنا فرق الموت التي امتهنت إراقة الدماء, واحترفت التعذيب, وتفننت بالترهيب ؟. .

لا تلومونني بعد الآن إذا كررت عبارتي المتشائمة (الله يستر من الجايات), فستحمل لنا الأيام القادمة أسوأ الأخبار, وأبشع الأنباء, وسينتقم منا المنتقم الجبار لأننا وقفنا موقف المتفرج البليد الغافل, واصطففنا مع قوم ثمود, وصفقنا بحرارة للشقي الذي قتل ناقة صالح. .