هل ستلد ازمة سوريا نظاما عالميا جديدا ..

 

 

 

 

 

 

 أظهرت الأزمة السورية مرة أخرى هشاشة، إن لم يكن إعلان وفاة ودفن النظام العربي الزائف ومؤسساته بدءاً بالجامعة العربية. ، كما ان أبرز مفاصل نتائج الصراع على الأرض السورية كان الاعتراف من قبل أحادية القيادة الحالية برئاسة الولايات المتحدة ومعها بعض أوروبا، بأن العالم تغيّر، وبأن هذه القيادة لا يمكنها أن تستمر بدون المشارك للمحور الجديد بقيادة روسيا ومن ورائها الصين المتخفية لأسبابها الخاصة المتعلقة بأولوية النمو الاقتصادي

  بينما ستعيد الدول الخليجية الأخرى حساباتها وتعود والصحوة الجزئية للفكر في الشارع العربي ، ولقد سحبت إيران أخيراً الاعتراف بأنها الدولة الإقليمية الأولى التي يجب أن يُحسب لها ولمصالحها حساب، وان إدارة أمور المنطقة ستجري من ضمن دور إيراني. كما اثبتت الاحداث   ضعف البنية الاجتماعية الحاضنة للعصب العسكري في إسرائيل، وإن شعب إسرائيل يخشى الحروب اليوم مناقضاً للفكر الذي نشأ عليه أن يكون في صراع مستمر لضمان ديمومة إسرائيل ،  كما تنفّس الأردن الصعداء أكثر من أية دولة أخرى غير سوريا، لكونه اطمأن من فلتان الشارع الإخواني، أو سيف الوطن البديل المصلت عليه باستمرار،  لكن مع كل هذه التطورات المرتقبة تبقى العناوين الكبرى لنتائج الحرب الكونية في سوريا، ومفاوضات ما بعد الحرب، هي التي ستفرض نفسها في الساحات الدولية أهمها:  انتهاء أحادية التأثير العالمية وعودة القطبية الثنائية بقطار روسي ومعها الصين وبعض دول أميركا اللاتينية وشرق آسيا وإيران والعراق وسوريا ولبنان و قد تكون أهم نتائج التسويات المرتقبة حل النزاعات التاريخية والحديثة في المنطقة، بدءاً من القضية الجوهرية للصراع العربي - الإسرائيلي، وصولاً إلى العراق والملف النووي الإيراني. ومن هنا يمكن تفسير القلق الإسرائيلي البارز هذه الأيام ، في هذا السياق، بعض المتابعين يعتقد أن المحور الغربي الحاضن للتطرف التكفيري سيقايض به مقابل أن يضمن المحور الجديد نشاط حركات المقاومة. سيكون لإيران دور رئيسي في هذا الإطار، لكونها وحلفائها لا يرضون عن فلسطين بديلاً. التفصيل سيكون في ما هي فلسطين الآتية ؟    إلى ذلك، ستضغط الدول التي نشرت أدواتها منذ الثمانينات في أفغانستان وباكستان وصولاً إلى العراق وسوريا لإعادتها إلى بيوتاتها ومخازنها مقابل دور لها في رسم خريطة النفوذ المستقبلية ،كما سيُعاد في بعض الدول النظر في مسؤولية ودور بعض مَن عاصروا الأزمة السورية. فقد تُسأل وكالة الاستخبارات الأميركية عن تضليلها للرئيس في بعض المعلومات، وهولاند في فرنسا عن جنوحه غير المدروس، وأردوغان وأوغلو في تركيا عن عدم أخذ تحذير رئيسهما عبد الله غُل في ما جنحا إليه، وبندر بن سلطان عن تعريضه المملكة لأخطار أمنية قومية، لم تكن مضطرة إلى أن تكون عرضة لها.  من أهم دلائل ولادة النظام العالمي الجديد، من خلال ولادة المحور المقابل لمجموعة رابح الحرب العالمية الثانية، هي الجهود والخطوات التي يقوم بها هذا المحورالمعاكس  على الصعيد المالي والاقتصادي. فقد أعلن الأسبوع الفائت عن إنشاء صندوق برأسمال 100 مليار دولار لدعم العملات المحلية لدول المحور الجديد، في وجه المضاربات أو لإعطاء خطوط ائتمانية قصيرة المدى، لدعم عجز المدفوعات أسوة أو بديلاً عن صندوق النقد الدولي. كذلك أعلن العام الماضي عن نية إطلاق عملة بديلة عن العملات الرئيسية المتداولة سنة 2014.وأخيراً، وليس آخراً، يذهب المتفائلون إلى حد الاعتقاد بأن أحد بنود التسوية المستقبلية سيكون إعطاء روسياوالصين  ومن خلفها إيران، حق إدارة الشرق الاوسط شرط التوازن مع المصالح الأميركية - السعودية، تماماً كما حصل في الصفقة الأميركية - السورية لإدارة الشأن اللبناني بعد اتفاق الطائف. في المقابل كما ذُكر تضمن روسيا أمن إسرائيل والمشاركة الفعلية في اتفاقيات مسبقة في ملفات النفط والغاز من امتيازات واستخراج وتوزيع وأمن، وصولاً إلى كافة أركان محوري النظام العالمي الجديد .

    إذا نجح القطبان في تحقيق حتى ولو بعض الاستنتاجات أعلاه، فقد يدخل الشرق الأوسط في مرحلة استقرار هو بأشدّ الحاجة إليه منذ ما يناهز 100 عام، وإلا فسيدخل في صراعات دموية جديدة وتعود شعوبه أسيرة بين الحياة والموت.