دراسة / د. نبيل الأمير التميمي
نمت العلاقات العامة كمفهوم أدارى وكوظيفة نمو سريعا خلال الأربعين عام الماضية ، وقد حدث هذا التطور نتيجة للتعقد المتزايد للمجتمع الحديث ، وزيادة علاقات الاعتمادية المتبادلة بين منظماته ، والقوة المتزايدة للرأي العام ، وكذلك زيادة فهم دوافع ومطالب الأفراد والجماعات ، وأصبح كسب تأييد وتعاون وثقة الآخرين عن طريق الإقناع جزءا من العمل اليومي للمدير في أي نوع من أنواع الدوائر او المؤسسات ، كما أصبحت العلاقات العامة تعبيرا شائعا في اللغة والفكر .
وتعتبر وظيفة العلاقات العامة أحدى الوظائف المستحدثة للإدارة ، فبينما يمكن القول أنه يمكن القول أنه يمكن تتبع نشأة هذه الوظيفة إلى بداية القرن الماضي إلا أنها لم تأخذ الشكل المتكامل كوظيفة إدارية – لها انتشارها الكافي – إلا بعد الحرب العالمية الثانية ، فالملاحظ أن أغلب المنشآت الآن تمارس هذه الوظيفة بشكل أو بأخر ، ومن جانب آخر نجد أن العديد من المهتمين والمشتغلين بمجال العلاقات العامة يرون أن التطور الحقيقي لوظيفة العلاقات العامة لم يبدأ إلا من سنين قليلة ، فالأساليب والفنون التي تستخدمها العلاقات العامة تتطور بشكل سريع بحيث يمكن القول أنها أصبحت على درجة عالية من الكفاءة ، وكذلك نجد أن مديري وخبراء العلاقات العامة تزداد أعدادهم يوم بعد آخر ، ومن هنا ينشأ أحساس الإدارة بمدى أهمية وفائدة العلاقات العامة من الوجهة التنظيمية ، الأمر الذي يؤدي إلى إدخال هذا الوجه الحديث من النشاط إلى جانب أوجه النشاطات الأخرى للمنظمة أو تطوير عملها وتدعيمه بالأدوات والإحصائيين أللازمين ، ولعل انتشار وكالات العلاقات العامة المتخصصة في الدول المتقدمة وزيادة إعدادها والمهارات التي تستخدمها لدليل آخر على تطور العلاقات العامة وازدياد أهميتها في العصر الحديث .
وهناك عدد من العوامل التي أدت إلى إبراز أهمية العلاقات العامة وازدياد اهتمام الإدارة بها ، ويمكن أجمال هذه العوامل على النحو التالي : -
1. تزايد تعقد هيكل الصناعة ، وزيادة ابتعادها عن الاتصال المباشر بجماهيرها .
2. ظهور شبكة واسعة ومعقدة من وسائل الاتصال بالجماهير .
3. ظهور المنشآت الكبيرة بمالها من مصالح وما يترتب عليها من نتائج .
4. ظهور التنافس بين المنشآت وازدياد حدته مما ساعد على فرض احترام أكبر للرأي العام ، وحاجة أشد إلى التأييد الجماهيري .
5. زيادة الطلب على المعلومات والحقائق والبيانات من جانب أفراد الجمهور نتيجة لانتشار التعليم والمعرفة .
ومن جهة أخرى توضيح أهمية العلاقات العامة في المنظمات المعاصرة من خلال ما تؤديه العلاقات العامة الناجحة من تكوين صورة عامة طيبة عن المنشأة او المؤسسة .
فالحقيقة التي لا شك فيها أن بقاء أيه منظمة من المنظمات يعتمد بصفة أساسية على مدى قدرتها على الظهور الذي يرضى جماهيرها ، وبعبارة أخرى فان تكوين صورة عامة مرضية يعبر عن إحدى الأساليب الأساسية التي تعتمد عليها المنشأة في استمرارها وبقائها ، فالصورة العامة للمنظمة تعكس سلوك المنظمة بصفة عامة ، وتساعد بصفة أساسية على تسهيل قيام المنظمة بعملها في المجتمع الذي تعيش فيه ، ومن بين المساهمات التي تحققها الصورة العامة المرضية عن المنظمة الآتي : -
• تساعد على تقبل رجال البيع في مهامهم التسويقية .
• تساعد وتسهل عملية اتخاذ القرار من جانب العميل .
• تخلق نوعا من الثقة الكبيرة في أي منتج يرتبط بالمنظمة .
• تساعد على قبول السلع الجديدة .
• تسهل مهام المنظمة في حصولها على الكفاءات النادرة من العاملين .
• ترفع من معنويات العاملين نتيجة انتمائهم للمنظمة .
• تساعد المنظمة في حصولها على التمويل اللازم لإعمالها .
• تساعد المجتمع على تفهم حقيقة المنظمة كعضو فعال وجزء حيوي منها
ومن هنا تظهر أهمية العلاقات العامة على أساس أن الصورة العامة المرضية عن المنظمة هي النتاج لعمل العلاقات العامة المثمرة .
ومن ناحية أخرى نجد أن العلاقات العامة كوظيفة إعلامية قد تطورت بسرعة كبيرة ، وما زالت عملية التطور فيها مستمر باكتشاف المشاكل الجديدة وإيجاد حلول جديدة لها سواء عن طريق البرامج الوقائية للعلاقات العامة أو عن طريق البرامج العلاجية لها .
أما من الناحية الإدارية فمن الملاحظ أن مهنة ونظم الإدارة قد تطورت في القرن العشرين تطورا ملحوظا، مما تطلب إدخال تغييرات في العملية الإدارية ومسئوليات المدير بفرض تحقيق الأهداف المتعددة والمتعارضة ، فالتغييرات التي حدثت في البنية الإدارية مؤخرا ، وفي التكنولوجيا والمعلومات والعلاقات الدولية والطاقة وغيرها قد أدت التي تطورات في أنواع وأحجام وهياكل وسلوك منظمات الأعمال المختلفة في الصناعة والطاقة والزراعة والخدمات والتعليم وغيرها .
وقد اتبع هذا التطور تغيرات واضحة في مسئوليات المدير وواجباته ووظائفه ووجهات نظره ، كما انعكس أيضا على مجموعة الوظائف الإدارية المختلفة وأهمية كل وظيفة منها على ضوء التطورات الجديدة ، وما يمكن تعظيمه من منافع لبعض هذه الوظائف .
وفي هذا الإطار العام بدأت نظرة المدير إلى وظيفة ( العـلاقات العامـة ) تتغير نسبيا عن النظرة التقليدية سواء من حيث المفهوم أو الأهداف أو المنافع أو الاستخدامات ، كما بدأت وظيفة العلاقات العامة تتسع لتشمل أنشطة ومسئوليات وأهداف مختلفة عن الأهداف التقليدية التي درجت عليها الإدارة .
وارتبط بهذا التطور ظهور ما يسمى بالمفهوم الوظيفي أو المهني للعلاقات العامة Functional Concept ، وهو المفهوم الذي يتعامل مع العلاقات العامة كوظيفة ومهنة متخصصة ذات مسئوليات معينة ، يقوم بها متخصصون في مجالات العلاقات العـامـة .
مفهوم العـلاقات العامة وتعريفاتها :
*************************************
لم تعد أهمية العـلاقات العامة في حاجة إلى تأكيد بعد التطور الكبير الذي حققته منذ منتصف القرن العشرين ، ورغم ذلك فلا يزال مصطلح ( العـلاقات العامة ) غامضا لدى الكثير من الخبراء والممارسين والمنظمات المختلفة ، مما يؤدي إلى اختلاف وظائف العلاقات العامة وتنظميها وأهدافها من منشأة إلى أخرى ، ومما يزيد هذا الغموض اتجاه عدد من الباحثين والخبراء إلى وضع تعريفات متعددة للعـلاقات العامة تتسم بالتفاوت والتباين ، وهكذا فمن الضروري الوصول إلى مفهوم موحد وشامل وحديث للعـلاقات العامة ، يصلح كأساس لتحديد وظائف العلاقات العامة وأنشطتها وأهدافها ، وكمعيار لقياس مدى قيام المنظمات بالأداء السليم للعـامه.