ما ينقصنا حاجة بسيطة.. رجل دولة فقط

 

ما يحدث على الساحة المصرية اليوم من مظاهرات وتجمعات وتكتلات كلها تكاد تجمع على مطلب واحد تحت عنوان " كمّل جميلك " فهي تطالب السيسي وزير الدفاع المصري البطل الذي أنقذ بلاده من كارثة كانت ستقع لولا جرأته وقيادته الحكيمة لجيش مصر العظيم. كلنا يعلم أن من أحد أكبر عيوب العملية السياسية العاملة على مسرح السياسة العربية وخاصة في عراق اليوم وهو ما يهمنا ويشغلنا هو غياب رجل الدولة.. نعم نحن نفتقد لرجل الدولة الذي يتمتع بمزايا الكاريزما والقوة الداخلية المشعة على المحيط المقرونة بالذكاء والقيم الاخلاقية والانتماء الوطني الحقيقي والقدرة على أستقطاب الجماهير وجمع الفرقاء والسير بهم بأتجاه هدف واحد لدى الجميع وهو بناء الوطن (بحسب تعبيرأحد أساتذة علم الاجتماع). من هنا نستطيع أن نفهم مطلب جماهير مصر بحراكها الجديد –كمّل جميلك- فهو نتيجة طبيعية وصادقة تطالب السيسي بالترشح لرئاسة جمهورية مصر وذلك لأكثر من سبب.. أولها أن السيسي بخطوته الجريئة بأنضمامه لجماهير الشعب يوم 31 مايس الماضي خطوة وطنية شجاعة يسجلها له التأريخ فهي خطوة انقذت مصر من كارثة متوقعة لو استمر حكم الاخوان وبهذا الفعل الوطني الشجاع أصبح رمزا وطنيا ومثالا لرجل الدولة الذي تفتقده معظم الانظمة العربية اليوم.. هذا في الوقت الذي يلزم أن لا يغيب عنا ما أثبتته الاحداث في كافة بلداننا من أن كافة الساسة المرشحين ومن هم في الواقع المنظور وكافة الاحزاب الفاعلة في الساحة السياسية لبلداننا لم ترقى كلها لأبسط نسبة من الاجماع الوطني لجماهير الشعب عليهم.. ومع أن السيسي رجل عسكري وليس ذا خلفية سياسية ولكن بحكمته وتصميمه كرجل دولة يستطيع تجاوز هذه العقبة وأمامنا نماذج اسرائيل مثلا ودول أخرى بما فيها أمريكا تولوا رئاستها من ذوي الخلفيات العسكرية ومع ذلك أداروا بلادهم بأفضل ما يكون. نعم وكما قلت لكم إنها حاجة بسيطة وبسيطة جدا ولكن تحقيقها ليس سهلا... ما نحتاجه إذن هو رجل دولة فقط لا غير وينصلح حال العراق وتعود له عافيته وينتهي الفساد ويتوقف الارهاب. التاريخ الحديث شاهد على ذلك فلا زال منا احياء كثيرون يتذكرون جيدا حقبة النظام الملكي ومن ثم الجمهوري بتسلسل انقلاباته وتآمر زمره على بعضهم بسبب غياب رجل الدولة.. فمن دروس هذه الحقبة القصيرة أذكر حين أعاد عبد الكريم قاسم الملا مصطفى البارزاني وجماعته من منفاهم في الاتحاد السوفيتي تصرف حينها كرجل دولة ولكن لأفتقاره للكادر الكفوء لأدارة البلاد سرعان ما عاد ثم الاقتتال الى ربوع شمالنا العزيز بسبب عدم التوافق ظاهرا ولكن حقيقته هوغياب رجل الدولة .. أستمر الاقتتال وانتهى حكم قاسم واستلم بعث 1963 الحكم والقتال مستمر وانقلب عليهم عبد السلام عارف عام 1964 ولعدة شهور والقتال مستمر وبقدرة قادر تراجع عبد السلام عارف عن تولي حكم العسكر وقرر تشكيل أول حكومة مدنية برئاسة رجل الدولة المحنك آنذاك الدكتور عبد الرحمن البزاز الذي ارسى اولى قواعد الحكم المدني في العراق بعدما هدمه انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958. تنفس الشعب العراقي الصعداء بعد معاناة وقهر الشيوعيين أيام الزعيم ومن بعده بعث 63 وتوقف الاقتتال في شمالنا العزيز وبدأت مؤسسات الدولة تأخذ موقعها في عالم الوجود والاستقرار وحل الامان وعاد القانون لسيادته وبريقه وشعر المواطن بنسيم الحرية ومعنى الكينونة وقيمة المواطنة والانتماء الوطني. ومن ذكرياتي عن ذلك الزمان الجميل كان برنامج ساخر يُذاع من أذاعة بغداد اسمه"الدنيا صور" وفي كل حلقة منه يختم بشعر شعبي يقول:" يا ناس هذي الحياة بيها دروس وعبر... بيها العفيف الشريف وبيها الفطير الشجر ...أهل الفكر من قبل قالوا الدنيا صور "