ماذا لو تم تقسيم العراق ؟

 

رغم كونه لا يزال (جدّام الله والعالم) كياناً سياسياً واحداً (موحداً)، لم يعد خافياً على أحد أن العراق مقسّم فعلياً على أرض الواقع إلى ثلاث دول منفصلة، فإقليم كردستان في الشمال لم يعد ينقصه سوى أن يطبع عملة خاصة به ويصدر جوازات سفر خاصة به ليصبح دولة مستقلة باسم (جمهورية كردستان الجنوبية)، ومحافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى خاضعة لسيطرة (دولة العراق الإسلامية) ولا يجرؤ شيعي الآن على الاقتراب منها إلا إذا كان (جايز من روحه)، ومحافظات كربلاء والنجف وغيرها هي الأخرى لا يُحبذ للعراقي السني بالاقتراب منها أو العيش فيها، وهذا واقع الحال شئنا أم أبينا.

وقبل الدخول في صلب الموضوع، وإنشاداً للموضوعية والإنصاف، فلا بد أن نشير إلى أن الأكثرية الساحقة من أبناء الشيعة والسنة في العراق لا مشكلة لديهم مع الطرف الآخر ولديهم رغبة شديدة بالتعايش السلمي مع بعضهم البعض بعيداً عن هذه النغمة الطائفية السخيفة، ولكن بسبب انعدام وجود الدولة والشرطة والجيش حالياً ووضعية (الطرطرة) السائدة والتي لا يتوقع لها أن تنتهي قريباً، فقد أصبحت الأمور هي بزمام قلة من المجرمين المتطرفين المعتاشين على هذه (المودة) الطائفية الجديدة، وبحكم شجاعتهم وشراستهم وحبهم للقتل وسفك الدماء وعدم خوفهم من الموت (يعني زلم موّاتة)، فقد تمكنوا من فرض واقع حال جديد أصبح يرزأ بظله الثقيل يومياً على جميع العراقيين بكافة أطيافهم ومشاربهم.

فليس من الإنصاف مثلاً نعت جميع أهالي الأنبار بالإرهاب لمجرد أن محافظتهم تستضيف تنظيم القاعدة الوهابي الإرهابي، فالكثير من أهالي المحافظة مخطوفون على أيدي هذه العصبة من المجرمين ويعانون الويل من طغيانها وحكمها الاستبدادي الكهوفي، ولكن من الذي يجرؤ على أن (يفتح حلكَه) وينطق بالحقيقة وطلب الإنقاذ العاجل (SOS) من حكومة المالكي (العميلة)؟ وكذلك الحال في المحافظات الشيعية التي تحكمها المليشيات الدينية المتطرفة التي خطفت الدين والمذهب وأصبحت تتكلم وتحكم وتقتل وتنهب باسمه والناس خائفون ساكتون تحت راية (بعد ما ننطيهه).

ولكن ماذا لو قررت الإدارة الأمريكية (الرشيدة) مثلاً المضي قدماً بالخطوة القادمة في تقسيم العراق رسمياً إلى ثلاث دول، فما الذي سيحدث وكيف ستكون الأمور عليه عندئذ؟ أريد في هذا المقال إمتاع القراء الكرام بتخيل هزلي ساخر لما ستؤول الأمور عليه خلال وبعد التقسيم. ومعلوم أن بعض المحافظات العراقية هي خليط من السنة والشيعة وعند التقسيم ستحدث عمليات هجرة جماعية تتخللها مذابح من الطرفين ستذهب ضحيتها بضعة ملايين من الناس. ولا مشكلة جديدة في هذا الأمر، فالدم العراقي رخيص جداً ولن (ينتهي) العالم ولا راح (توكَف) الدنيا إذا مات من العراقيين بضعة ملايين أخرى، عادي، الله يرحمهم ...

بعد انفصال إقليم كردستان وحسم قضية كركوك عسكرياً في معركة سريعة ستنتهي لصالح الأكراد (وبلا استفتاء شعبي بلا بطيخ)، ستبقى في العراق العربي دولتان: الأولى شيعية سيكون اسمها (جمهورية العراق الرافضية الصفوية المجوسية المتحدة) وعاصمتها بغداد الشرقية، والثانية سنية اسمها (جمهورية العراق السلفية الوهابية البعثية النقشبندية الحرة) وعاصمتها بغداد الغربية.

وبغداد سيصبح مصيرها كمصير برلين بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، ستصبح هناك بغداد (الصفوية) في الرصافة وبغداد (الوهابية) في الكرخ يفصل بينهما نهر دجلة وبضعة سياجات كهربائية لحل إشكالية المراقد المقدسة نظراً لكون ضريح الإمام الكاظم يقع في الكرخ وضريح الإمام أبوحنيفة يقع في الرصافة، وسيتم هذا الأمر تحت إشراف دولي أممي وبتفاهم دبلوماسي سياسي بين إيران وأمريكا وجامعة الدول العربية مثلاً، للتقليل من حجم الخسائر البشرية الناجمة عن هذه العملية (الجراحية) الجديدة.

سينادي الإعلام الرسمي لكل من الجمهوريتين المنفصلتين بضرورة تحرير الشطر الآخر (المحتل) من بغداد المقسمة، مع تسميته طبعاً الشطر الخاص به ببغداد (المحررة). فإذا سمعت في التلفاز مصطلح بغداد (المحررة) أو بغداد (المحتلة)، فعليك أن تسأل عن هوية القناة التلفازية لكي تعرف محررة أو محتلة من أية وجهة نظر لأن كل جمهورية تعتبر الجزء الخاضع لسيطرتها هي بغداد (المحررة) بينما تعتبر الجزء الآخر الواقع تحت سيطرة العدو هي بغداد (المحتلة).

سيصبح النشيد الوطني الرسمي لجمهورية العراق الشيعي هو مقطع رادود لطم حسيني من اختيار مجلس (الخبراء) الإسلامي العراقي الجديد، وسيصبح النشيد الوطني الرسمي لجمهورية العراق السني هو أحد أغاني القاعدة بعنوان (حنّا تنظيم اسمنا القاعدة) أو (عائدون يا بغداد) أو (يا لأمجاد الفاروق)، الخ ...

ستشكل جمهورية العراق الشيعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حلفاً جديداً باسم (الاتحاد الصفوي) وعاصمته طهران، وستبقى جمهورية العراق السنية مع جامعة الدول العربية الصدامية، بصفتها ممثلاً وحيداً وشرعياً لكامل الشعب العراقي العربي، وربما يتحد (الجيش العراقي الحر) مع (الجيش السوري الحر) ليشكلا جيشاً جديداً اسمه (الجيش الصدّامي الحر). سيشن الجيش الصدامي الحر هجمات صاروخية يومية على بغداد الشرقية لتحريرها من (الاحتلال الصفوي) وإعادتها إلى (حمى الإسلام).

سيكون هنالك ديناران جديدان: الدينار الصفوي والدينار الوهابي. ستتزين الدنانير الصفوية الجديدة بصور العمائم السوداء والمراجع الدينية العراقية والإيرانية وستتزين الدنانير الوهابية الجديدة بصور صدام حسين وأسامة بن لادن وأبومصعب الزرقاوي وطه الدليمي وغيرهم أيضاً. وستمنع كل جمهورية تداول دينار الجمهورية الأخرى على أراضيها وتعتقل حامل هذه الدنانير بتهمة (الإرهاب) لحاملي الدينار السني في العراق الشيعي وعقوبتها الإعدام أو السجن أو (العمالة للمحتل الصفوي) لحاملي الدينار الشيعي في العراق السني وعقوبتها قطع اليد أو الذراع أو الرقبة بأكملها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية (السمحاء).

وكما هو الحال الآن، ستبقى أغاني الطرب والغرام ممنوعة في العراق الشيعي ولا يجوز تشغيل شيء آخر غير الرادود الحسيني وأغاني اللطم والنحيب والبكاء والمناداة بأخذ (ثارات آل محـمد) وستكون هناك محاكم تفتيش تابعة (للمرجعية العليا) لضبط (اللابتوبات) و (الموبايلات) التي تحتوي على أغاني وأناشيد أخرى غير الرادود الحسيني، ليتم حرقها هي وأصحابها أمام الناس وسط صيحات (اللهم صلي على محـمد وآل محـمد)، بالإضافة إلى فرق (الزينبيات) المسؤولات عن ضبط مظاهر الاحتشام للنساء وحرق أطقم المكياج والزينة وصاحباتها على نحو مماثل، ولكن ليس أمام الملأ بل بشكل مستور.

وفي العراق السني، فعقوبة عدم ارتداء النقاب الشرعي للنساء هي الرجم بالحجارة وحرق بيوتهن وجلد أزواجهن أو أولياء أمورهن و(مضغ) أعضائهم البشرية أو تعزيرهم بعقوبات شرعية أخرى يقررها ممثل (أمير الجهاد) أو (أسود السنّة) لهيئات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في المنطقة المعنية، وبالنسبة للرجال فستضع اللجان الفنية المختصة حد معين باسم "طول العتبة" (threshold length) لتعريف الأطوال المقبولة لكل من اللحية والدشداشة تبعاً للفئة العمرية للشخص، توزع على الناس على شكل (كتالوكَ إرشادي)، ومن يخالفها فعقوبته هي أيضاً الحرق أو الرجم أو قطع الأنف أو الأذن أو غيره مما يقرره ممثلو وقضاة (أمير المؤمنين) و (هيئة كبار العلماء) وسط صيحات التكبير (الله أكبر) و (الموت لإيران الصفوية) وغيرها ...

ستكون جمهورية العراق الوهابية دولة فقيرة خالية من الموارد النفطية وغيرها، وبالتالي سيلجأ زعماؤها الجدد إلى استحصال الجزية والخراج من الأقليات (الكافرة)، بالإضافة إلى دعم أسواق النخاسة والرقيق وتجارة السبايا (الكافرات) لرفد عجلة الاقتصاد الوطني للدولة الإسلامية الجديدة. أما في العراق الشيعي، فرغم ثرائه الشديد بالنفط والموارد الأخرى، سيبقى الحال سيئاً كما هو عليه الآن، بل ستشهد صناعة الحرمنة والفساد والرشاوي و(الإكراميات) الإجبارية فيه أبعاداً جديدة من التطور والارتقاء في عهد (الاستقلال)، وستبقى شوارع جمهوريتنا الجديدة مليئة بالأزبال والكلاب السائبة (أجلكم الله) وسيتم تغيير اسم وزارة الكهرباء العراقية إلى وزارة المولّدات الصفوية إيرانية الصنع (ساخت جمهورى اسلامى).

وبعد أن يصبح العراق الشيعي من (كبار) مصدري الكهرباء في العالم بفضل حكومته القديمة الجديدة، سيلجأ زعماء العراق السني إلى قطع مياه دجلة والفرات لغرض (تجفيف) العراق الشيعي وتركه يموت عطشاً، ولكن هذا الماء سيفيض عليهم ويغرقهم وستصبح وسيلة الانتقال الرئيسية في مدن العراق السني الجديد هي الزوارق و (الأبلام) بدلاً من السيارات و (الكيّات) كما هو الحال اليوم، وستزدهر الزراعة المائية والسمكية في العراق السني وسيأكل أبناؤه يومياً السمك بدلاً من الخبز.

وفي مباريات كرة القدم، سيصبح اسم المنتخب العراقي الشيعي (Safawi Republic of Iraq) واختصاره (SRI) وشعاره (القامة والزنجيل) والمنتخب العراقي السني (Wahabi Republic of Iraq) واختصاره (WRI) وشعاره (الحزام الناسف) وسيكون لكل من المنتخبين مقعده الخاص في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وإذا التقى الفريقان في مباراة ما، فيجب أن يكون الحكم بوذياً أو هندوسياً محايداً ولا مانع أن يكون يهودياً صهيونياً، فإسرائيل لم تعد (الخطر الأكبر) بل الخطر الأكبر الجديد هو (إيران الصفوية). والمناهج الدراسية ستكون مختلفة تماماً للجمهوريتين الجديدتين، ولن يتم الاعتراف بالشهادات (الصفوية) في العراق السني وأعضاء جامعة الدول العربية، ولن يعترف الاتحاد الصفوي بالمقابل بالشهادات (الوهابية).

ستكون الشركة الوطنية للهواتف النقالة في العراق الشيعي هي (مجوستيل) وفي العراق السني (صدّامسيل)، وسيشرب أبناء العراق الشيعي مشروب (طهران كولا) وفي العراق السني (قندهار كولا) وكل من المشروبين يعد في الدولة الأخرى بمثابة المخدرات التي يستحق متعاطيها عقوبة الإعدام حرقاً بمحلول (السفن آب). أما الكباب، أكلة العراقيين المفضلة، فستقوم المطاعم العراقية الشيعية بطبخه على الطريقة الإيرانية (الصفوية) بينما ستقوم المطاعم السنية بطبخه على الطريقة التركية (العثمانية).

وبعد منع الإنترنت والستلايت والسفر إلى الخارج وإلغاء خدمات الهاتف الثابت والمتحرك والعودة إلى استخدام الحمام الزاجل، وكذلك فصل الذكور عن الإناث في جامعات الدولتين، تمهيداً لمنع تعليم الإناث ودخول البنات المدارس أصلاً، ومن ثم إلغاء النظام التعليمي الحديث برمته والعودة إلى عصر (الكتاتيب) وأسواق (الورّاقين)، ستقطع الدولتان خطوات قياسية سريعة في التقدم العلمي والحضاري نحو الوراء، وخلال بضع سنوات ستنتقل بنا آلة الزمن السريعة إلى القرون ما قبل الوسطى، وسيرتاح الشعبان من متاعب الحضارة الحديثة والأغذية المسرطنة والمعدلة جينياً وسيعودان إلى التداوي بالأعشاب والرقى الشرعية.

وستصبح أمراض السرطان والإيدز والسمنة والقلب وغيرها نسياً من الماضي وستنتفي الحاجة إلى المستشفيات والصيدليات وكليات الطب. سنعود لركوب الجمال والحمير وستنتفي الحاجة للسيارات والطيارات، الأمر الذي سيسهم كثيراً في توفير تكاليف استهلاك الطاقة. وستعم الرفاهية الدولتين اللتين ستتنافسان على تصدر قوائم الفساد المالي والتخلف الإداري والاجتماعي في العالم، وسيعيش أبناء الجمهوريتين الجارتين اللدودتين بسعادة وسلام وصحة وعافية (على عناد الحسّاد)، موسى بدينه وعيسى بدينه، وتوتة توتة خلصت الحدّوتة، الله أكبر، الله أكبر، عاش العراق العظيم، وليخسأ الخاسئون ...