أحياناً نحتاج إلى تقريع أنفسنا |
لا أدري إلى أي مدى كان الحاضرون والمتكلمون والموقعون على وثيقة الشرف جادين في ما أقدموا عليه. أستطيع فقط التأكيد على أن الخطوة كانت تعبيراً غير مباشر، وحتماً غير مقصود، عن الفشل، فشل في عمل شيء آخر وفشل في إمكانية الوصول إلى حلول عملية تنقذ الطبقة السياسية المتنفذة من مأزقها قبل أن تنقذ العملية السياسية من هذا المصير والبلد من هذه المحن. لم أقو على سماع الكلمات التي قيلت في حفل التوقيع كاملة، كنت أستمع، مثل كثير من المواطنين، إلى مقاطع وجمل وعبارات لم تقو أيّ منها في شد انتباهي وثقتي لاتمام الإصغاء. في الحقيقة كنت مكرهاً على مواصلة هذا الإصغاء المتقطع، أنا يائس مثل ملايين العراقيين، واليائس، كما يقول كلام العراقيين يتمسك حتى بالقشة لتفادي الغرق، غرق البلاد والمجتمع في خضم مشكلات الأمن والفساد وفوضى إدارة المؤسسات. كان جانب من انتباهي قد انصرف إلى التأمل في وجوه الحضور، الطبقة الأولى المتصدرة والمدعوين الآخرين الذين بدوا مثل كومبارس يراد منه إملاء فراغ في القاعة الكبيرة، ولا أدري ما إذا كان أحد من السادة المدعوين قد تساءل عن مبرر حضوره وعن جدوى الحضور سواء له شخصياً أو للمناسبة نفسها ما دام قد أُلزم بالصمت، في حفل هو ليس طرفاً فيه. وجوه الطبقة الأولى كانت أكثر كرماً من وجوه الكومبارس في توفيرها التعابير المختلفة، ولكن المشكلة أنها تعابير لم تستطع أن تخفي طابعها التمثيلي. تعابير تداخل فيها اصطناعُ بعضهم الجدية وتعمّدُ البعض إظهار اللا مبالاة والاستخفاف بما يجري، بينما كان واحد منهم، في الأقل، مضطراً لاظهار امتعاضه وانزعاجه من حضوره الذي أراد أن يوحي أنه مكره عليه. كان حفلاً لإعلان الفشل، لكن (الشرف) يتطلب التغطية على شكل الفشل، كان لا بد من فعل شيء ما وكان ما فعلوه هو الاستجابة الأشد بؤساً من بؤس عدم فعل شيء ما. عملياً فإن جميع الحاضرين والموقعين هم من جماعة كابينة الائتلاف البرلماني الواسع الذي شكل الحكومة، التحالف الوطني والعراقية والتحالف الكردستاني، هل حضر أحد من خارج هذا الإئتلاف؟ نعم، من المعروف أن ائتلاف التحالفين الوطني والكردستاني وكتلة العراقية يعاني من مشكلات كبيرة ليس منذ أشهر وإنما من لحظة تشكله (هل تتذكرون انسحاب نواب العراقية في جلسة البرلمان الأولى بعد تسمية رئيس مجلس النواب)، فهو ائتلاف لتمشية حال على غرار توافقات اللحظة الأخيرة دائماً، لكن المشكلة في لقاء الخميس، ولكن ليس مجال معالجة مشكلات هذا الإئتلاف مثل هذا الحفل الذي لم يحضره بالأساس خصوم سياسيون من داخل الائتلاف البرلماني الحكومي حتى يتبرر، ولو بطريقة وأخرى، انعقاده بهذا الشكل. الغرماء من داخل العملية السياسية والخصوم من خارجها هم أيضا لم يحضروا وربما أن الدعوة لم توجه لبعضهم أو كلهم. بهذه الوضعية تتأكد عدم جدية العمل بالميثاق الذي يتركز جانبه الأساس على صون السلم الأهلي، لكن لا أحد يريد أن يشار له على أنه بالضد من (مشروع نبيل)، مشروع نبيل ولو بحدود الكلام والتوقيع على ورق وبشيء من الابتسامات التي لم يتدرب عليها جيداً سياسيونا. لو شئنا أن نكون جديين وعمليين لكان طرف واحد في الأقل قد قالها صراحةً إنه ليس من المنطق أن نوقع على كلام عام، ينبغي الوصول إلى نقاط تفاهم اساسية كحد أدنى بشأن خلافات مستفحلة وتتكاثر يومياً داخل اطار البرلمان/الحكومة. ولو كان طموح طرف واحد أكبر من مطامح الآخرين لطالب بتفاهم أولي مع أطراف من خارج العملية السياسية يكون ممكنا التفاهم معها. لم استمع إلى كثير مما قيل على منصة الخطابة، بعض الحضور كان يتثاءب، في ما كان السيد المذيع الذي قدم الخطباء جاداً في موضع لا يستدعي الجدية، وكان من الظرف اعلانه عن وجبة غداء تعقب ذلك الحفل الطريف، بينما وأنا أكتب هذا المقال كنت أقرع نفسي على جديتي أنا أيضاً في تناول الموضوع والانشغال به. |