صديقي الذي نسي خطبة المتقين

 

اظن - وليس بالضرورة كل ظن اثما - انني ساكون اول الراسبين في اختبار النزاهة لو ثنيت لي الوسادة والتمعت امامي الصفراء او البيضاء أو كلاهما معا . وهذا الظن لم يأت من فراغ ابدا . انظر الى اصدقاء الامس القريب ممن كنت اقاسمهم احيانا ماعون القيمة او الهريسة في حي السيدة بريف دمشق في شهر محرم فاراهم موزعين بين مسؤول يدير امبراطورية مال و آخر هو امبراطورية مال تسير على قدمين في المنطقة الخضراء . الفرق الوحيد بيني وبينهم انهم اتيحت لهم فرص الثراء "اتمنى ان يكون مشروعا " ، اما انا فرمتني الاقدار الى ابعد نقطة يمكن ان تشم فيها رائحة الذهب العراقي الاسود كحظ شعبه . ولا استحيي بعد مرور عقد ونصف ، ان اعلن على الملأ جهارا نهارا ان الكثير من هؤلاء المسؤولين او اباطرة المال ، مازالت ارنبة اذني حتى ساعتنا هذا تقشعر لوقع نصائحهم التي كانت تنهال علي ليل نهار بالعودة الى صلاة الليل وصيام يومي الاثنين والخميس ففيها وفيه خير الدنيا والاخرة . ولم يفتهم ان يذكروني بما نسب للامام الصادق عليه السلام : "ليس من شيعتنا من لم يصل صلاة الليل" منطلقين من (ان الذكرى تنفع المؤمنين ) . وكانت اعذاري الواهية تتقاصر اقزاما مجهرية امام محفوظاتهم من التراث الشريف الذي يحث على صلاة الليل لانها تحت الذنوب كما تحت ريح الشتاء ورق الشجر . وكنت في داخلي احسدهم على هداهم والوم نفسي حد الايلام على ضلالها المبين مرددا قول البوصيري "ولم اصل سوى فرضي ولم اصم" . قد انسى اسمي ذات يوم وهذا ممكن جدا لان ذاكرتي تتسطح كحدوة حصان يوما بعد يوم ، لكنني لا انسى مقاطع كاملة من خطبة المتقين التي كان يجلدني بها احد فقراء الامس كلما رآني في مجلس شعر او ادب أتراشق فيه مع "ضالين" مثلي اشعار الغزل او التشبيب . وكان المقصود بذلك "منتدى الاربعاء الثقافي" الذي كنت ارتاده مرة في الاسبوع ، و كان من بين حضاره الشاعر العراقي مهند نجل الأديب العربي الكبير المرحوم السيد مصطفى جمال الدين . كان صاحبنا الناصحُ الامين فقيرُ الامس يحفظ خطبتي المتقين والشقشقية ودعاء كميل والصباح والندبة ومقاطع مطولة من ابي حمزة الثمالي عن ظهر قلب كما يحفظ اسماء ابنائه الذين كانوا ينامون على الطوى احيانا من الخصاصة. فيحمد الله على الابتلاء متأسيا بأثرى الفقراء الامام علي "ع" . وكلما كنت اعرب له عن تضامني معه في مأساته ياتني الرد سريعا وجاهزا : ولداي ليسا افضل من الحسنين . فانچبُ واسكتُ ... واذا حدثته عن الشعر رد علي زاجرا متسائلا باستنكار : الا تريد ان تكون ممن عناهم الامام ( ووقفوا اسماعهم على العلم النافع ... فيقرأ خطبة المتقين حتى اخرها بنفس واحد ) فابتلع ريقي واقول له انه الشعر الذي كان الامام علي "ع" يستمع اليه ويستمتع به بدليل انه كان معجبا بنتاج الملك الضليل . فيأتي الرد : حاشا الامام ، بل هو لغو الحديث ولهوه الذي حذرنا منه القرآن بصريح القول . بصراحة كان صاحبي المتقي "غوغل" زمانه على الاقل بالنسبة لي . لا يتاخر عن ردٍ طرفة عين وجميع استشهاداته كانت من القران الكريم والحديث الشريف ونهج البلاغة ولا يقرب للشعر لانه لغو نهى عنه القرآن الكريم . بعد سقوط نيرون بغداد قبل عشرة اعوام تلقيت من العراق رسالة خطية من صديق قديم كنت اعتقد ان الامام علي "ع" القى خطبة المتقين الشهيرة من وحي زهده وتقواه وورعه ، يعلمني فيها ان ولديه اللذين كان يجرعهما الجوع والفقر بلا ذنب ، يواصلان الان الدراسة العليا على نفقته الخاصة في جامعة اسبانية ، يعني تحت ظلال قصر الحمراء في غرناطة وقريبا جدا من لمسات مسي الساحرة و ترقيصات رونالدو الماكرة . اما كيف ومتى واين أمّنَ متقينا تلك النفقات "الخاصة جدا" فالحديث يطول ويطول . هي الكف مض تركها بعد دائها ... وان قطعت شانت ذراعا ومعصما . رحم الله الرضي . والسلام  على المتقين .