عندما يغرق المشهد العراقي بتفاصيل الانفجارات والمفخخات والعبوات اللاصقة والانتحاريين والظلال القاتمة التي تفرضها فوّهة المسدس كاتم الصوت، تتعالى بشكل موازٍ أصوات يشوبها قلق وانتظار يحاول رسم صورة اليوم القادم: إنها الحرب الأهلية!
فهل هؤلاء على حق؟
لنختصر الطريق ونقول منذ البداية بأن ليس ثمة حرب أهلية تلوح في الافق. وهذه النتيجة يمكن بناءها على أساس من بديهيات الحروب. أن يكون هناك أطراف متحاربة لدى كل منها قيادة تخطط له وتسيّر حركته وتضع له ستراتيجيته وتكتيكاته. وأن يسعى كل طرف الى إصابة الطرف الآخر بأكبر أضرار ممكنة. وأن تتوجه كافة الأسلحة نحو الجميع، الجندي والقائد على حدّ سواء.
ما يحدث في العراق لايشبه هذا بشكل من الأشكال. هناك مواطنون يُقتلون كل يوم في حرب يُراد لها أن تبدو بتمظهرات طائفية، ولكن الغريب أن المدنيين هم الذين يُقتلون على الأكثر بكل قسوة ووحشية أما الكبار – القيادات والرؤوس الكبيرة – فهم سالمون غانمون محميون جيداً في مخابئهم التي بنوها بأموال العراقيين.
لماذا يسعى قادة "الطوائف" الى الإضرار بالمواطنين من "الطائفة" الأخرى دون أن يحاولوا المساس بقيادات تلك "الطائفة"؟
لم يتم اغتيال شخصية كبيرة من احدى الطوائف خلال سنوات طويلة، وآخر عمليات الاغتيال والتصفيات الاجرامية ذات البعد السياسي الطائفي كانت اغتيال القائدين الشيعيين محمد باقر الحكيم وعز الدين سليم ونعتقد اننا بتنا نعرف الجهة التي خططت ونفذت عمليتي الاغتيال تلك!
مرة أخرى لماذا يدفع المواطن العادي وحده ثمن حرب القيادات الطائفية التي لا تفكر بـ "التحرش" بقيادة الطرف المنافس حتى ولو على سبيل المزاح؟ ولماذا لم تعمد قيادات الطوائف الى أغتيال بعضها البعض بدلاً من اغراقنا نحن ببحر الدم الذي لاينقطع ولو ليوم واحد؟!
هناك مئات من الأجوبة ولكم أن تختاروا منها ما يناسبكم.
لكن يجب طمأنة أصدقائنا الذين يرتجفون كل مرّة تعلوا فيها اصوات الانفجارات والتصفيات الطائفية ونقول لهم إنها ليست حرب أهلية بل حربّ قذرة لتصفية العراقيين تشارك فيها قيادات جميع الطوائف إلا من رحم ربي.
وسنرتجف معكم ونصرخ بأن الحرب الأهلية تقرع أبوابنا عندما نرى قيادات كبيرة، وكبيرة جداً، من الطرفين تقع ضحايا لعمليات "ارهابية" تماماً كما يفعل المواطن العادي. وهذا يعني أن القيادات لم تعد تجد أي قدرة على التفاهمات وأي أبواب أو نوافذ أو شقوق يمكنهم الولوج من خلالها لعقد صفقاتها المشؤومة.
حينها ستكون الحرب الأهلية واقعاً لايمكن تجاهله.
إما إن هذا لم يحدث بعد فلا داعي للكثير من القلق، فليست ثمة حرب أهلية في طريقها للقضاء على ما تبقى من بلدنا.