عاد مدحت المحمود الى منصته كرئيس للمحكمة الاتحادية العليا من الباب الواسع وترك أمر غلق الباب وراءه الى خصومه والى أعضاء مجلس النواب الذين صوتوا على إقالته وتعيين الحميري محله في أخر تحد يكسبه ائتلاف دولة القانون بطريقة قرأتها وسائل الإعلام قبل يومين من حدوثها كونها صفقة مكشوفة الملامح وكريهة الرائحة .
ومدحت المحمود معروف بمواقفه الموالية للمالكي وحزبه وهذه المواقف جعلت من الرجل تابعا للحزب الحاكم بل ان مصيره ارتبط بمصير المالكي ورجاله لهذا فانه لا غرابة في تبادل الأدوار وتحقيق المصالح والوقوف للأخر فقرارات المحمود هي من جعلت المالكي رئيسا للوزراء عندما جاء ببدعة القائمة الأكبر التي تتشكل بعد الانتخابات والمحمود هو من أوقف قرار تحديد الرئاسات الثلاث والمحمود هو من يرد الطعون وهو من يمنح المالكي صك الغفران.
وغير هذا فان مدحت المحمود رجل بعثي بامتياز ومواقفه المؤيدة والمساندة للطاغية المقبور أشهر من ان تذكر او تعد كما انه مشمول بإجراءات الاجتثاث وكل هذه الصفات التي كان يفترض فيها ان تنقرض مع انقراض جرذ العوجة الا ان السيد المالكي أراد ان يعطي رسالة أخرى لا يفهمها الا من أدمن لعبة المصالح والتمسك بكرسي الحكم.
ان وجود المحمود في المرحلة المقبلة أمر مهم جدا لدولة القانون وللمالكي تحديدا فانتخابات البرلمان على الأبواب وحظوظ المالكي في السلطة أصبحت شبه معدومة وتحتاج الى معجزة ربما لا يستطيع الإتيان بها الا المحمود ولا غيره خاصة مع التراجع الكبير والانكسار الذي واجه المالكي في انتخابات مجالس المحافظات والتراجع الكبير في شعبية رئيس الوزراء بعد الانتخابات المحلية بسبب تردي الواقع الأمني والخدمي والصحي وانتشار الفوضى والفساد المالي والإداري وارتفاع مؤشر خط الفقر .
ان عودة المحمود الى رئاسة المحكمة الاتحادية يمثل كسرا لارادة البرلمان الذي صوت على اقالته من منصبه ويمثل كذلك استمرار لمسلسل الدسائس والمؤامرات التي تحاك باسم القضاء الأعلى للإبقاء على المالكي ورفاقه والنيل من خصومه ومثل هذا التحدي لارادة ممثلي الشعب انما يعني استمرار تدهور الواقع الامني والخدمي ويعني ان العراق يسير من جديد في سكة قطار الديكتاتورية ويبتعد عن طريق الحرية والمسارات الديمقراطية التي أرساها الدستور بمسافات ستكون كبيرة كلما استمر قطار المحمود مواصلا مسيرته.
ان وجود المحمود على راس السلطة القضائية العليا انما يعني تكريس لمنهج الديكتاتورية وتجذيرها ويعني ايضا اشاعة الفوضى والفساد في ملف القضاء وهذا المنهج لا يقل خطورة عن منهج تكريس الديكتاتورية.