الكثير من وسائل الإعلام المحلية ، تتجاهل أو ربما لا تعلم بوجود معايير دولية تحظر الترويج للبشاعة بالامتناع عن بث صور ومشاهد من شأنها إثارة الرعب والخوف بين المشاهدين على اختلاف أعمارهم ، فضائيات" العراق الحزبية" ، وانطلاقا من إيمانها برسالتها الإعلامية الحريصة على استقطاب الرأي العام وخلق توجهاته بما ينسجم مع "منطلقات الحزب وأفكاره " اعتادت عرض مشاهد القتل والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس بالسيوف ، لإدانة ممارسات تنظيمات إرهابية ، من دون أن تعلم بأنها تقدم خدمة لمحترفي القتل المجاني ، بالترويج لممارساتهم ، وإيصال رسائلهم إلى أكبر عدد من المشاهدين . في العام 2002 وعلى خلفية حادث اغتيال الشاعر محمود البريكان في محافظة البصرة ،أرسل مكتب مجلة عربية تصدر في لندن ، من بغداد ، قصة الاغتيال بكل تفاصيلها مرفقة بصور حصل عليها المكتب من مصادر في الشرطة ، ونشرت المادة خالية من الصور ، لأنها تخالف المعايير الدولية المعتمدة في وسائل الإعلام بحظر الترويج للبشاعة ، وكان رأي إدارة المجلة موضع استغراب للعاملين في مكتبها في بغداد ، لعدم اطلاعهم على تلك المعايير ، وقناعتهم بأن صورا من هذا النوع متداولة في وسائل الإعلام المحلية ، وتحظى بموافقة الرقيب . أحد العراقيين من طالبي اللجوء الإنساني في هولندا ، تأخر ترويج معاملته في لمّ شمل أسرته ، من دائرة الهجرة في مدينته لأنه قدم صورة لابنه البالغ من العمر 7 سنوات تظهره مع ثلاثة من رجال الشرطة حاملا سلاح احدهم ، وأخبرت الدائرة صاحب الطلب بأن هولندا غير مستعدة لتلبية طلبه لوجود نزعة عنف لدى الطفل ، وبعد مراجعات طويلة وتقديم صور أخرى ، تثبت أن حامل الرشاشة من دعاة الرفق بالحيوان ، ومن هواة تربية الطيور ورعايتها ، حصلت الموافقة على دعوته مع أسرته للالتحاق بأبيه في هولندا ، وبعد أيام من وصوله، خضع لبرنامج تأهيل لمعرفة استعداده للاندماج بالمجتمع ، وتخليه عن نزعة العنف . الرغبة في عرض البشاعات ليست وليدة اليوم ، فعندما كان الإعلام الرسمي في سنوات الحرب العراقية الإيرانية يعرض بشكل يومي ما كان يسمى" صور من المعركة " تقبل المشاهدون البشاعة لأنها في ذلك الوقت تعكس صورة " انتصارات تاريخية رفعت راية الأمة العربية على البوابة الشرقية " كما كان يصفها الشاعر الفلسطيني المقيم في العراق أديب ناصر ! إصرار البعض على عرض البشاعات امتداد طبيعي لمرحلة سابقة ، وعلى الرغم من تباين أهدافها إلا أنها تشترك بعامل واحد هو إجبار العراقيين على العيش في رعب دائم ، وهم ليسوا بحاجة لتذكيرهم بجرائم الإرهابيين بصور تبثها فضائية مع خطب الأمين العام لحزبها ، المقيم في منطقة محصنة وتحت تصرفه فوج كامل مكلف بحمايته في حله وترحاله لحفظ أمنه الشخصي.
|