أعطت انتخابات اقليم كردستان جملة حقائق تعرية لطبيعة الحياة السياسية سواءا في الأقليم أو في عموم العراق . أهم تلك الحقائق تبدأ بإنهتاء عصر المهيمنات السياسية للعوائل المسيطرة او الحاكمة في كردستان ، وقوفها بالتساوي تحت سقف الوطنية مع رموز وعناوين تمثل ارادة الشعب ومصالحه، فقد انتهى عصر الحزبين الكبيرين وهيمنتهما مع ظهور تمثيل واسع لحركة كوران 30% من الأصوات ، في تقارب واضح مع الحزب الديمقراطي الكردستاني 40% وتقارب آخر بين الجماعات الإسلامية 13% مع الإتحاد الوطني الكردستاني 17%.
وهذا يعني حصول تطور نوعي في إختيارات الناخب الكردي ولم يعد يتحرك بسياقات عشائرية او مناطقية محددة وانما اختيار التمثيل الأكثر واقعية ومنفعة لمصالحه . الحقيقة الثانية هي نسبة المشاركة 74% وتعني ايمان الشعب في الأقليم بالعملية السياسية (السلطة والمعارضة )، بخلاف بغداد وبقية انحاء الوطن خارج الأقليم حيت نجد النسبة لاتتجاوز 40% في أحسن الأحوال واكثرها تفاؤلا ، بمعنى هناك 60% يمثلون الأغلبية الرافضة للعملية السياسية في العراق ..!
وبهذا نجد اسلوب الإدارة السياسية في اربيل يمارس دون قصد ، تعرية الفساد السياسي في بغداد ومنهج الإستبداد والفوضى والفشل والإنهيارات في كل شي من قبل حكومة إمتازت بفساد كوني . الحقيقة الثالثة المهمة في هذا السياق هي بروز تجربة كردستان في تكامل سياسي بنائي وفق استراتيجيات بناء دولة عبر اقامة مؤسسات دولة مستقرة وراكزة تتعامل بقواعد قوانين الإستثمار والتنمية في جميع الحقول الإنسانية والعلمية ، وبحسب برامج متساوقة مع حركة تقدم طبيعية تعتمد تشييد مرتكزات بنى تحتية سليمة ومتينة وبنى فوقية بمفاهيم الإستقلال والإدارة الحديثة والكفاءات المتميزة .
بينما في بغداد تجد الجهود تتركز لبناء سلطة مطلقة وحكومة تسعى لأن تكون قوية من خلال مؤسسة بوليسية أمنية وتكديس السلاح في وقت يفتقد المواطن للأمن ويتعرض للقتل يوميا ، اضافة الى الهيمنة على الهيئات المستقلة مثل القضاء والإعلام والنزاهة والمساءلة والعدالة والبنك المركزي ومفوضية الإنتخابات . مقابل إقصاء الكفاءات وغلق الآفاق على الإنتماءات الحزبية والشللية الضيقة . هذه المعطيات تجعل من تجربة كردستان السياسية تزدهر وتتفاعل ايجابيا ، بينما تتداعى التجربة في بغداد وتنسحق باقدام سلطة دكتاتورية وتخندقات طائفية وصراعات متفاقمة تهدد بسقوط العملية السياسية بعد تقويض الديمقراطية ومصادرة الحريات ، وهو مايضع القوى السياسية أمام رهانات جديدة ومناهج عمل متفتحة على حقيقة الواقع الدموي الجديد .
|