اذا سقط الفساد سقطت الحكومة

 

بين حكومة المالكي وبين الفساد لا يوجد تناقض، انما يوجد انسجام وتكامل. فالمالكي شخصيا وبمعرفتة ودرايتة بنتائج الفعل، وبكامل قواه العقلية وكل قناعاته الدينية قد وقع بالعشرة على تأسيس الحكومة تستند على دعائم فاسدة، لقد وافق بان تتألف الحكومة من 40 وزارة، وهو حدث غير مسبوق في العالم وقد اصبحا محلا( الحدث والشخص) للسخرية والاستهزاء والتندر في العالم.
المالكي ايضا، وعن قناعة لم ينقص تمامها قليل من الاعتراض، قايض الفساد برئاسة الوزارة، وباع مصلحة الشعب مقابل مصلحة ذاتية زائلة. لم يكن احد ليجبره على السباحة في مستنقع الفساد هذا، لقد خلع ملابسه مختارا والقى بضميرة متبوعا بمعتقداته الدعوية ليسبح مع الاخرين الذين دائما ما يشير اليهم باصابع الاتهام.
وحتى قبل اتفاقية اربيل التي افرزت للعراقين حكومة الاربعين حرامي، كان الحكم قد تأسس على فكرة فاسدة ايضا، هي فكرة المحاصصة. والمحاصصة في العراق لا تقوم على فكرة توزيع المسئوليات كمهام وطنية على الفائزين بالانتخابات، انما محاصصة مبنية على فكرة اطلاق يد ممثلي المكونات المزعومين لتكون لهم حرية النهب والسلب ومصادرة ممتلكات الدولة دون خشية محاسبة قانونية.
حكومة المالكي تأسست ايضا على ذهنية طائفية خطرة،اذ بموجبها تم تقسيم الشعب الى مكونات لا حول لها ولا قوة، تتحكم فيها احزاب متصارعة ومرجعيات دينية متخاصمة وتنظيمات ارهابية لها ارتباطات قوية في اعماق السلطات، وايادي غير امينة، وضمائر ميته وقلوب غير رحيمة، ذهنية قتلت الوطنية والانتماء للوطن واستبدلتهما بالطائفية والانتماء الى المذاهب.
الفساد لم يكن فقط مظهر لجميع فعاليات وافكار الحكم ، بل كان الهيكل الذي بنيت عليه كل مرافق الحكومة وارتبطت به كل مسؤلياتها وتشريعاتها، فان سقط هيكل الفساد هذا، سقطت الحكومة بكل شخصياتها الهزيلة، لذلك يحرص المتخاصمون والاعداء المتربصون على سلامة هيكل الفساد، فهو عماد الحكومة وجوهرها الحقيقي ومعدن رجالها.
الفساد هو خيمة التي يقف تحت ظلها الوارف كل احزاب العملية السياسية، حقيقة يدركها رئيس الوزراء المالكي ورئيس مجلس النواب النجيفي ورئاسة الجمهورية والسلطة القضائية ومشرفي الاعلام الحكومي ويعرفها المسئولون عن دين الدولة الرسمي(الاسلام) ويعرفها مسئولوا السلك الدبلوماسي ومسئولوا اعلام الدولة. فهؤلاء وان اشاروا وتحدثوا عن الفساد، لكنهم يتحدثون وكان اياديهم بيضاء ناصعة من توليثاته، وكان ارجلهم ليست مغروسة كطحالب في مياهه، انهم يتحدثون عن الفساد وكانه بعيد عنهم وليس في مكاتبهم الشخصية، وكانهم انبياء للنزاهة وللاستقامة، بينما كل الشواهد تثبت تورطهم وتورط عوائلهم.
ولأن الفساد كبير الحجم اخطبوطي التشعب، لم يستطع كبار الفاسدين الحكومين كتم اسراره والحفاظ على وثائقه، فتسربت اعداد لا تحصى من الادلة ومن الوثائق ومن الاثباتات التي تناولتها الفضائيات والاعلام، وتحدث عنها حتى اصحاب الشان انفسهم. لكننا نتفاجئ بالسيد رئيس الوزراء وهو يتذرع بعدم توفر اثباتات كافية لمحاسبة الفاسدين. فهل له ان يشرح لنا ماذا يريد حضرته كي يحاسب الفاسدين في صفقات السلاح وصفقات اجهزة كشف المتفجرات وصفقات الشركات الوهمية وعقود الكهرباء وعقود الشاي المسرطن والاغذية التي لا تصلح للاستهلاك الادمي وتهريب العملة وتهريب النفط وتحويل العراق الى سوق لتصريف السلع البائرة؟
وهل لنا ان نسأل عن كيف هبطت الاموال والثروات على اصحابه واصدقاءه واعضاء حزبه واقاربه واصبحوا مليونيرات وملياردية يملكون المشاريع والفضائيات ويشرفون على استثمارات عملاقة في مختلف الدول ولم يحصل وان ادعى احد ان ذلك بفعل ليلة القدر.؟
لو كان هذا الكم الهائل من الادلة عند حكومة حقيقية تسعى للقضاء على الفساد قولا وفعلا، لتم القاء القبض على جميع الفاسدين ولتطهرت كافة اجهزة الدولة منهم ومن اثارهم.
لكننا نفاجئ بان المالكي يتناقض بشكل مخجل ومعيب، فمن جهة يشتكي من الفساد ويصفه بالمستشري في اجهزة الدولة، ومن جهة اخرى يدعي بانه، اي الفساد، مجرد اقاويل غير مدعومة بوثائق ودعايات اعلامية تهدف الى محاربة حكومته.
سياسة المالكي تتجنب صداع الرأس، اذ ان اهتمامه الرئيس هو التباهي بمنصب رئيس الوزراء انه من هواة التبجح اللفظي والخواء المظهري.
ولان لا الاحزاب ولا التظيمات السياسية الوطنية ولا الشعب قادران ان يسببا للمكالكي صداعا، فالقوى الوطنية ليست بذلك العنفوان بحيث تستطيع ايقاظ الشعب من مفعول افيون التخدير الديني، ليتصدى للمفسدين وليضع حدا لاهمال الحكومة الواضح لشئون الوطن والمواطن، يستمر السيد المالكي والرهط الحكومي باتباع سياسة راحة البال وترك الحبل على الغارب وليعبث الارهابيون بالارواح، والفاسدون بالمال العام، والدجالون بالوعي ،والاعلاميون الحكوميون بالتضليل، ويستمر اصحاب العلواني باصلاح افواههم القذرة وزملاء العطية باصلاح مؤخراتهم المعطوبة على حساب ملايين الفقراء والمعدميين.