تجارة "النواب" في سوق "النواسير"

 

 

 

 

 

 

لماذا لا يلتزم البرلمان بالشفافية في ما يتعلق بحالات علاج أعضائه على نفقة مجلس النواب، كل ما يصدر عن الجهات المعنية عقب كل عملية "ناسور" او تجميل "خدود" او تركيب أسنان، هو عبارات مقتضبة تتحدث بشكل متعجل وغامض عن النائب "المسكين" الذي دفعته ظروفه القاهرة، لتقديم طلب علاج مجاني على نحو يجعل العراقيين، نهباً لمعارك المصير بين الفتلاوي والشهيلي! 
أذكر أنه قبل أن تتحول مصاريف عمليات النواب إلى حديث الصباح والمساء فى كل شبر من أرض العراق، أن خرج علينا النائب محمد الصيهود بتصريح بث الرعب فى القلوب حين قال: إن البعض يحاول ان يشكك بالإنجازات التي قدمها البرلمان خلال السنوات الماضية.. واعتقدت حينها ان كل من سيتحدث عن المجلس، سيتم التحفظ عليه في اقرب مركز للشرطة.
قبل أيام تحدثت النائبة حنان الفتلاوي بمنتهى اليقين عن الذين قالوا: إن نائبي دولة القانون خالد العطية وكمال الساعدي تحايلا على البرلمان وهما يتسلمان مبالغ إجراء العمليات " العاجلة " ففي دفاعها المحموم ذهبت الفتلاوي إلى أن ما يميز الساعدي والعطية وغيرهما من أعضاء دولة القانون انهما قدما طلباً رسمياً للحصول على مبالغ العلاج، وانهما، وهذا الأهم في نظر النائبة، قاما بإجراء العمليات الجراحية، ومن ثم فان استخدامهما للأموال أمر وارد ولا غبار عليه من وجهة نظر النائبة، على اعتبار أن من واجب الشعب السهر على صحة نوابه، والتضحية بالغالي والثمين من اجل " نواسيرهم وأسنانهم " ومن ثم لا فرق بين ما يقال في المقهى، أثناء لعب " الدومينو " وما يقال تحت سقف مؤسسة التشريع العراقي! 
ولهذا فان حصر الجدل في المساحة الواقعة بين موافقة رئاسة المجلس، او عدم موافقتها هو في النهاية، لعبة ذكية لصرف الانتباه عن جوهر الموضوع، وهو أننا أمام نواب لا يعرف النوم طريقاً إلى عيونهم، إذا لم يصدروا كل يوم قراراً أو تشريعاً يلتهم بعضاً من مساحات العدالة الاجتماعية، - المفقودة أصلا - في حياة العراقيين ولنا في قانون مخصصات مجلس النواب مثل.
إنها العقلية القديمة نفسها التي عاش معها العراقيون عشرات السنين، مؤتمرات ومهرجانات تقوم بمهمة واحدة فقط: ترويض الشعب. وحكومة مهمتها تسيير أعمال الشعب، فتفشل وتصبح مهمتها الوحيدة: لوم الشعب.. ونواب مهمتهم الوحيدة تحويل العراقيين إلى "مستضعفين" يرضون بالقليل الذي يلقيه عليهم سادة العراق الجدد، باعتبار أن نوابنا "الأشاوس" انقذوا هذا الشعب من الدكتاتورية وأخرجوه من الظلمات الى النور! 
ودعونا نتساءل: هل العيب في المواطن الذي انتخب أصحاب هذه المشاهد الكوميدية، أم في النواب أنفسهم، وأريد ان أسأل: هل نحن المواطنين العزل " ضد هؤلاء السادة النواب " بالتأكيد لا، نحن نحلم بنواب يتحسسون نبض الناس، ولكن ماذا نفعل والسادة النواب مصابون بمرض الخوف من الناس؟! 
المواطن يسأل: لماذا تحول العراق من دولة تسعى للتنمية والرفاهية الاجتماعية إلى دولة فقيرة يحكمها لصوص؟ 
ماذا فعلت عجلة الساسة غير إنتاج الفقر للمواطنين والثروات السهلة للمسؤولين ومقربيهم؟ 
المواطن يسأل: لماذا سادت أعراف دولة الفساد التي حوَّلت العراق من بلــدٍ غني إلى بلــد يُدير ثرواته موظفون ومسؤولون يعتبرون المال العام جزءاً من ثرواتهم الشخصية؟ 
الناس تريد أن تعرف، لماذا أصبحنا نعيش في ظل دولة تدور فيها عجلة السرقة وبأمان، فيما تتعطل عجلة السياسة والضمير؟
إن دفاع الفتلاوي عن "عمليات" بعض النواب مسألة عبثية لا تنطلي على أحد، خصوصاً أن الجميع يعرف أن السيدة الفتلاوي ومن معها ظلت من قبل تشتم احد النواب ثلاث مرات باليوم لمدة شهر كامل لأنه تسلم مبالغ العلاج من مجلس النواب نفسه.. فما الذي تغير حتى تصبح "نواسير" البعض اغلى من دماء العراقيين؟