الرجل المفخخ بال.....ـــ قصة قصيرة: مهدي قاسم

 

 

 

 

 

 

صعد أحدهم إلى سيارة " كيا "لنقل الركاب بتثاقل لاهثا ، معرّقا ، ببطنه الضخم و المندلق على شكل مخدة صغيرة ، وجلس على مقعد فاغر وهو ينظر حواليه بارتباك وحيرة بسبب الأنظار الفضولية التي توجهت نحوه والتي خرقته من كل جهة و ناحية .

همست إحدى الفتيات الراكبات في أذن أمها وهي تشير نحو الرجل الصاعد توا، همست بفضول و خوف :

ـــ أنظري إلى بطنه المنتفخ !.. أليس إنه مزنر بحزام ناسف .. أنظري ، أنظري جيدا .. لا لا .. ليس هكذا مباشرة .. حتى لا يحس .. لا إلى وجهه ، بل إلى بطنه إلى تت.... تحت !..

أخذت الأم هي الأخرى ترمق الرجل بتركيز متواصل على بطنه ثم في وجهه ، و بعد ذلك نزولا إلى بطنه وهي تمد رأسها نحوه بشكل ملفت للنظر و الانتباه .. فشعر الرجل بذلك وأزداد تعرقا وارباكا وشعورا بالإحراج ..

و إذا بالأم تصيح فجأة بصوت عال و بنبرة هلعة و ذعرة :

ـــ أي و الله ! .. أنه لابس حزام ناسف !.. يبووووي راح نموت ! ــ ثم أضافت وهي تشير نحوه بأصبعها ـــ أمسكوه.. أمسكوه .. يلا .. يلا .. بسرعة.. قبل أن يفجر نفسه علينا ..سترك يا رب !..

فسرعان ما دبت الضجة بين الراكبات و الراكبين على شكل صيحات خوف و فزع و هلع متزايد ، مع أيد تلوّح بغضب حينا وباستغاثة حين أخر ، مما حد بالرجل المثير للشبهات أن يضطرب في مكانه أكثر فأكثر و بقلق متزايد ، دون أن يعلم لماذا أصبح هكذا مثار الاهتمام و الفضول ، و لماذا بات مركز اهتمام الجميع و سخطهم و غضبهم و نقمتهم ، حيث عشرات من الوجوه القلقة تلتفت باتجاهه مع أصابع تشير نحوه غضبا وتهديدا ..

ومن شدة قلقه و اضطرابه استعان بيديه اللتين حاول قاصدا تعديل قمصه الذي فلت أحد أطرافه من تحت حزامه عند الخصر ، فآنذاك أزداد جميع من في السيارة خوفا و هلعا وصيحات عالية ، سيما من بينهم صراخات نساء هلعات :

ــــ إرهابي .. إرهابي .. إنه على وشك تفجير نفسه ، ديروا بالكم .. راح يفجر نفسه ..راح يفجر هس..سة....الزموه .. الزموه يا أهل الخير ألزموه !..

في هذه الأثناء توقفت السيارة عن السير فأندفع أحدهم و أمسك الرجل من يديه بقوة قائلا له بلهجة هي مزيج من نبرة آمر و تضرع :

ـــ لا تتحرك !..

بينما نط راكب أخر أيضا و أمسكه من رأسه و شده على مسند المقعد ، تبعه راكب ثالث قابضا على رجليه و ضغط عليهما بمسكة قوية ليشل حركته تماما ..

و كان الرجل المشبوه يصيح خائفا فزعا هو الأخر محاولا تحرير نفسه من قبضة الآخرين وهو يردد بصوت لاهث و متقطع :

ــــ أني لست إرهابيا .. أني بريء .. بريء والله العظيم !..

ولكن أحدا لم يكن يصغي إلى ما يقوله ، أو يستمع إلى كلماته ، لأن اهتمام الجميع كان منصبا على أنه هل أصبح في وضع يقدر على تفجير نفسه أم لا ؟ وهل تمكنوا من شّل حركاته وهل زال الخطر نهائيا ؟.. ولم يكتفوا بذلك إنما أخذوا يجرجرونه .. ليسحبوه من السيارة ..باذلين قصارى جهدهم لكي يخرجونه بحيطة و حذر .. كمن يحمل طبقا من البيض و يخشى من احتمالات انكساره و تهشمه المفاجئ ..

فقد كانوا أشد ما يخشونه من إنه قد يفجر نفسه في أية لحظة ممكنة ، فحرصوا على شّل حركاته الجسدية قدر الإمكان لكي لا يكون قادرا على ذلك ..

وفي هذه الأثناء ومن خلال الشد و الجر، و بينما كانوا يبطحونه أرضا ، ممدين إياه بكل حذر متوتر وخوف مشدود ، كانت أطراف قميصه قد فلتت من مكانها منحسرة و ممزقة ، وكاشفة عن كرش كبير و مندلق بكل ضخامة و فخامة ، كرش مكسو بمخدات من شحم مكتنز على شكل طبقات متراصة بشكل عشوائي وبارزة من الأمام و ما فوق الخصرين ..

فصاح أحدهم ممن مددوه أرضا ، صاح بصوت لاهث و متقطع من شدة التصارع مع الرجل الممدود أرضا :

ــ لا تخافوا ..ماكو حزام ناسف !..الحمد لله .. أنه مجرد كرش ضخم و مليء " بالبول و الخراء "!..فتصوروا إلى أية حالة مضحكة أوصلونا ! .. إذ أخذنا نخشى حتى من ظلنا !..

فترك الرجال صاحب البطن الضخم في مكانه ، بشيء من خيبة أمل ، بعدما تأكدوا من خلوه من حزام ناسف ، وصعدوا في سيارة " كيا " التي انطلقت بسرعة شديدة ، تاركة الرجل المتكرش في مكانه ، وهو مذهول من شدة الصدمة و المفاجأة ، محاولا أن يغطي و يستر جسده الأعلى و العاري المكشوف ببقايا قميصه الممزق ..

فتتمتم بغضب مكتوم وهي ينظر في أعقاب السيارة المنطلقة بأسى :

ــ يا لأولاد الكلب ! .. تركوني على قارعة الطريق و راحوا ..على الأقل .. لو أخذوني معهم بعد كل هذه البهدلة و المسخرة !..