شعب مصر وقيادته وجنده |
نحن في العراق وبالرغم مما نغرق فيه من آلام ونزيف دم ودموع تُسكب بغزارة من مآقي الارامل وعيون الطفولة البريئة، كنا نتابع بقلق ما يجري على أرض الكنانة، فحبسنا أنفاسنا وأُقضت مضاجعنا احتمالات انتشار الفوضى هناك، لأن مصر هي قلب العرب وحزامها المتماسك وعمود ركيزته، فإذا ما تراخت ضفائره انهار سقفه وبنيانه على رؤوس الجميع، وقضينا الأيام والليالي نقلب كفاً على كف، ولم يبعدنا دوي انفجار العبوات والمفخخات التي تضرب أرضنا يميناً وشمالا من التعايش مع مصيبة شعب الحضارة الفرعونية الباهرة . حتى جاءت ضربة المعلم الناجحة على يد القوات المسلحة، فأنقذت البلاد من شراً مستطيراً كان يتربص بها، وإن التفاف الشعب المصري حول قيادته ومساعدتها بالتصدي للإرهاب، كان عاملاً مضافاً ساهم في إنقاذ البلاد من الفوضى التي كانت منها قاب قوسين وأدنى، ولكن التوازن الفطري الذي يتمتع به هذا الشعب الاصيل وحتى عند أبسط الناس واقلهم ثقافة، جعلهم يفكرون ملياً قبل أن يقدموا بارتكاب عمل طائش فاسد يهدد ثروتهم ومستقبل أبنائهم وتراثهم، فدافعوا عن المتحف المصري بشجاعة وأقدام عندما حاولت عصابات الجريمة المنظمة سرقته وأفشلوا خططها في تشويه وتحطيم تاريخ مصر، الذي من أجله يفد اليها ملايين السياح للتمتع بها فتدر على البلاد ملايين الدولارات، لتكون عوناً للشعب في شق طريقه للخلاص من ضنك الحياة، فكيف الحال إذا ما غرق في أتون الحرب الحارقة للبشر والثروة والتأريخ، وتحول الناس إلى وحوش كاسرة ويفقدون انسانيتهم، كما حصل في العراق، وليبيا، وما يجري اليوم في سوريا حيث حلت الخرائب، والزرائب، والنياح، بدلاً للأعمار، والطبيعة الجميلة، والابتسامة الساحرة، التي عُرف فيها أهل سوريا ونسائها التائهات اليوم في عالم المذلة. لقد دافع المواطن المصري عن أهراماته، وأبا الهول، ومدينة الأقصر ( طيبة )، رغم ما فيه من عوز، وملايين تقترب من المائة، ولكنه أشترى بجوعه كرامته، وبفاقته أصالته، ودافع عما بين يديه لتأمين ذخراً للأجيال القادمة، في الوقت الذي تهرب به عشرات الآلاف من قطع آثار عراقية لا تقدر بثمن، بعد أن تبوأ الحواسم ارقى المناصب، ليُهربوا بالإضافة لها أموالاً طائلة تكفي لإخراج الشعب من محنته. وُترك النزيه الشريف يصارع قدره، بين أمواج الأمزجة المتقلبة، المعتمرة في قلوب ذوي النفوس الضعيفة المرتبكة، من الذين لا يعرفون أين يضعون أقدامهم، بسبب الاوضاع الشاذة التي يعيشها العراق وسوء أدارتهم للأزمات، رغم أصوات الاحتجاج المتعالية من الجموع الغفيرة استنكارا لما يجري من تراجع، لا يتناسب وحجم الاموال الهائلة في مشاريع لا يخرج منها على سطح الارض إلا القليل الشحيح. لقد تصدى شعب مصر للطامعين، والأفاقين، والمتزمتين، المتكبرين من لصوص السياسة المختبئين خلف لحى شيطانية، ومبرقعين ببرقع الدين الزائف، فأوقفهم عند حدهم فحضى باحترام العالموحافظ على مكاسبه عبر التاريخ. |