الهتاف للمالكي من قاموس "القائد الضرورة"

 

 

 

 

 

 

ما الدولة الفاشلة؟ إذا أردت جواباً شافياً، فلا تبحث في معجم ابن منظور، ولا في تصنيف الزمخشري لمعاني الكلمات.. بل في أفعال رجال فاشلين، لا ينجحون سوى في السيطرة على المال والسلطة، وفي دعوة الناس إلى أن يتعلموا هتافا واحدا: بالروح بالدم!
سيقول البعض المشكلة ليست في المسؤول بل في الآلاف التي تهتف له بصوت واحد ونبرة واحدة، وتنسى هذه الجماهير أن المطلوب ليس الدم والروح، وإنما الخروج من نفق الخوف والعوز والانتقال من حكم القائد الضرورة، إلى حكم المؤسسات.
تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطور الروماني نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون الهتاف والتصفيق، وفي زمنه أصبحت مهنة الهتافين المأجورين رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف جندي من أفراد الجيش حضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف، ليهتفوا له بطول البقاء في الحكم بعد أن ينتهي من كل معزوفة.
بالأمس وأنا أشاهد نوري المالكي فرحا منتشيا وهو يسمع كيف يهتف له الحضور "بالروح، بالدم".. تسالت: ألا يكفي الخراب وفوضى الأمن وشبح الحرب الأهلية وضياع ثروات البلد، أن نهتف من أجل الوطن، لا من أجل المسؤول.. خرج البرازيليون غاضبين قبل أشهر لأن الحكومة فرضت مبلغا بسيطا على أجور النقل... هل تجوز المقارنة بينهم وبين العراقيين الذين تذهب أرواحهم ودماؤهم عربون امتنان وشكر لحكام اصابهم الغرور؟!
تتجه جميع الأمم نحو المستقبل. لم يعد هناك مكان لبينوشيه أو صاحب حفلة التيس.. ولم يعد هناك مكان لامثال ميلوسيفيتش. فجميع الطرق أصبحت تؤدي إلى حكومات الحرية والعدالة الاجتماعية.. لا حكومة " المختارين " والمعصومين والأتقياء. 
إلى أين يريد البعض أن يأخذنا حين يملأ الأجواء بالهلاهل وأهازيج:"بالروح بالدم نفديك يامالكي" مثلما أتحفنا "الهتيف" الذي يسمى بنقيب معلمي بغداد، الذي لم يكتف بالهتاف بل اعتبر وجود رئيس مجلس الوزراء في وسط القاعة دليلاً دامغاً على أننا ودعنا عصر الأمية والتخلف!
يقول عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الحرية": "لا تزال عندنا ازدواجية تكرسها تراكمات سياسية تاريخية ممتدة منذ عصر الاستعمار وحتى تاريخ القهر والأنظمة الشمولية التي تدرب المواطن على أن يتحول إلى قرد يرقص ويهتف ويصفق.
لم تبلغ مخيّلة ميكافيللي أو غوبلز ما بلغته خطبة نقيب معلمي بغداد من التزلف و "الانبطاح"، فالرجل التربوي لا يعرف أن المواطن هو مصدر السلطات، لا القائد ولا المسؤول،.. وفاته أن العراقيين غادروا عصر الزعيم الضرورة، وتعلموا أن يهتفوا من أجل حريتهم ومستقبل أبنائهم، لا من أجل رئيس مجلس الوزراء.. الآن يحلم العراقيون بسكن نظيف وتعليم متطور.. الناس تريد مسؤولين يمتلكون خبرات طويلة في العمل المؤسساتي، لا في الخطابات والهتافات.. وهم يأملون أن تقوم صورة الدولة الحديثة على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور قائد جديد يتبختر رافعا يده علامة النصر، وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غالياً من أجل التغيير والديمقراطية، كان الناس يتمنون أن يجدوا أمامهم مسؤولاً قوياً في هدوئه. فقد عانوا طويلاً من عهود سادت فيها قرارات الجور والظلم والتعسف، التي أوقعت البلاد في مصائب كثيرة، وهزائم كبيرة مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.
بالأمس ارتفع صوت المالكي وارتفع معه الهتاف على الفور، لكنّ الهتافين لا يعلمون لماذا يهتفون أو لماذا، المهم أنهم يهتفون ويهزجون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يهتفون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع!
وأنا أرى مشهد نقيب معلمي بغداد تساءلت هل نحن، بالمعنى الصحيح دولة مؤسسات، أم أننا دون تلك المرحلة بكثير؟ هل تكفي الهتافات لوقف الموت والتهجير والفشل؟ هل يجمع بيننا حلم التغيير نحو الأفضل، أم الحرص على المضحكات والمبكيات في هذا البلد؟