فين الريِّس ؟

 

ليس من عادة شعوب المنطقة العربية طرح أسئلة  تهدف الى معرفة تفاصيل  دور الزعماء  والحكام والرؤساء  في ضمان استقرار الأوضاع الأمنية  عندما تواجه البلاد تحديات خارجية او داخلية تهدد  استقرار امنها  ،  وسؤال " فين الريّس "  جاء على لسان المخلوع حسني مبارك بعد لحظات من اغتيال السادات في حادث المنصة الشهير، ومبارك كان الوحيد بين المسؤولين المصريين يمتلك صلاحية توجيه السؤال ، حرصاً منه على ضمان  مستقبل البلاد ،  وإنقاذها من فراغ دستوري ، وربما كان طرح السؤال في تلك اللحظات الحرجة،  تمهيداً  لتوليه المنصب ، وتحقق له  ذلك ، وقبل ان  ينقل المنصب لنجله  سمع شعار المصريين "الشعب يريد إسقاط النظام" . 
الأنظمة العربية باستثناءات قليلة جداً ،  حرّمت على شعوبها الخوض في هذه القضية ،لأنها تندرج ضمن متطلبات الحفاظ على الأمن القومي ، وفي العراق الذي اعتمد النظام البرلماني، ومنح رئيس مجلس الوزراء صلاحيات واسعة،  من أهمها إدارة الملف الأمني ، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ،  يطرح السؤال حين تضطرب الأوضاع الأمنية ، وتشهد البلاد أحداثاً تثير القلق والمخاوف الشعبية ، عندما "يخرط السوك" ، ويمتنع سواق سيارات الأجرة من الذهاب الى أحياء محددة من العاصمة، ليجنبوا أسرهم  متاعب البحث  عن  الجثث في دائرة الطب العدلي ، بعد ان  نشرت وسائل إعلام محلية أنباء تفيد بالعثور على جثث  قتلى مجهولي الهوية ؟ فعاد رعب السنوات الماضية الى الأذهان مجدداً ، واصبح  تأخر رد صاحب الهاتف على مكالمة من ذويه يعني الدخول في حالة إنذار وترقب.
في سنوات اندلاع العنف الطائفي اضطر معظم العراقيين وخاصة الشباب في العاصمة بغداد الى حمل  هويتي أحوال مدنية  في محاولة للتخلص من الخضوع  لاستجواب محترفي القتل في السيطرات الوهمية، والسؤال هل تكفي تصريحات المسؤولين الأمنيين وحدها في تبديد المخاوف، ومن يرغب  في الاطلاع على صورة  حقيقية عن حجم المخاوف ، عليه التوجه الى "كراج البياع" ويطلب خدمات احد سواق سيارات الأجرة ، وسيجد نفسه مضطراً للإجابة على جملة تساؤلات يطرحها السائق ،  فضلاً عن الموافقة  على  شروطه بان يكون النزول في الشارع العام ، وقرب سيطرة أمنية وعدم استخدام الهاتف ، أثناء التوجه الى المكان المقصود .
من حق العراقي اليوم ان يطرح ملايين الأسئلة المتعلقة  بحماية أمنه، بعد ان تحمل طيلة  السنوات الماضية الاجراءات المشددة  بنشر آلاف السيطرات  وقطع الطرق والجسور، ووضع الحواجز الكونكريتية لفصل الأحياء السكنية عن بعضها ، والعمل بنظام الزوجي والفردي، وعلى الرغم من كل هذه المظاهر يتنامى الشعور  بفقدان الأمن،  ولا سيما ان أصحاب الشأن المعنيين بالإجابة على  سؤال "فين الريّس" يفسرونه من زاوية  النظر الى المناصب والمواقع ، وصاحب سيارة الأجرة في حي البياع كان يقصد من طرح السؤال أسباب "خرط السوك " في ظل التراجع الأمني.