العراقيون في الاقامة الجبرية

 

أفقت قبل يومين من حلم غريب، اقتصر على خبر، تنازل سلطان عمان عن الحكم، واقرار النظام الجمهوري فيها، أضغاث أحلام، لأن تخلي السلطان قابوس عن الحكم شبه مستحيل، وهو الذي يرفض حتى تسمية ولي عهد له، شطط من عقلي الباطني، شجع عقلي الواعي على التفكير بما هو أقل استحالة.

وثيقة الشرف آخر ما تفتقت به عقول ساسة العراق، تعويذة سحرية هكذا حاولوا اقناعنا، ولكن سرعان ما ثبت بطلانها، ولا يفلح الساحر حيث أتى، لكن ذلك لم يكن كافياً لدفع العراقيين إلى التمرد على فراعنة السياسة، ولو بمظاهرة واحدة، للتعبير عن رفضهم للواقع المرير وسخطهم على الساسة الفاشلين المخادعين وتخوفهم مما يخبئه لهم المستقبل القريب من احتمالات مرعبة.

التغيير الجماهيري، سواء سميته ثورة أم غير ذلك، لم يعد احتمالاً مستبعداً، حدث مرة في تونس ومرتين في مصر، وخلال مدد زمنية قياسية.

وعلى الرغم من انسداد الأفق العراقي بالدماء والأشلاء لا أتوقع خروج مليوني للعراقيين مطالبين بالتغيير ورفضاً للإرهاب، لسببين رئيسيين: التطبع والإقامة الجبرية.

العراقيون متطبعون على الرهبة من السلطة الحاكمة، التي تعاملت معهم وعلى مر الأزمنة بالقهر والتعسف والتنكيل، وتكفي نظرة سريعة على تاريخهم الحديث لتؤكد ذلك، فكل تغيير من فعل أدوات السلطة نفسها، أي القوى الأمنية من جيش ومخابرات، التي تنشق على السلطة الحاكمة وتحل محلها، لذا انتظر العراقيين معجزة لتخليصهم من الطاغية البعثي، وهم اليوم ينتظرون فرجاً من نفس النوع.

كل العراقيين اليوم في إقامة جبرية، يقبع كل واحد منهم ضمن أسوار طائفته أو فئته الإثنية، يرى بمنظار الطائفة أو الفئة، ويدرك كما تدرك، وينعكس ذلك في أفكاره وقراراته وتصرفاته، فهو وإن كان لا يرتبط بالمالكي أو النجيفي أو برزاني بصلة قرابة أو انتماء عشائري أو تنظيم حزبي أو مصلحة مشتركة لكنه سينحاز له عندما ينتقده عراقي آخر من فئة طائفية أو إثنية مختلفة، لذلك ليس مستغرباً بقاء التحالف الوطني الشيعي على الرغم من الصراع المستمر بين أطرافه الرئيسية الذي بلغ حد التقاتل في الأمس القريب والحرب الإعلامية الشعواء في الوقت الحاضر، ولا يختلف الوضع كثيراً ضمن الائتلافات السنية والكوردية.

من دون مشاركة الشيعة لن يحدث التغيير، ولكن الشيعة يتخوفون من أن تكون الدعوة للتغيير خدعة، يخسرون فيها مكاسبهم القليلة، ولو كانت رمزية فقط، وخداع عمر بن العاص لأبي موسى الأشعري ماثل في أذهانهم.

وهذا النمط الفكري والسلوكي موجود حتى لدى المتضررين من هؤلاء الساسة ونظامهم الفاشل، لذلك العراقيون بصورة عامة تحت الإقامة الجبرية وبرضاهم ضمن طوائفهم وإثنياتهم، ولن يتحرروا من ذلك إلا بتغيير النظام الطائفي التحاصصي واكتساب الثقة بالنفس، وحتى ذلك الحين سيبقى الساسة صامدين في منطقتهم الخضراء، يعبثون بحاضر ومستقبل البلاد.

التغيير المطلوب في الوضع العراقي أقل من معجزة بكثير وأكثر من حدث عادي، فهل سيقدم عليه العراقيون أم ينتظرون الظروف القاهرة التي ستفرضه عليهم؟