حثني للكتابة مرة أخرى حول حالة وضع المجلس النيابي العراقي وتصدعه وغياب أكثر من ثلث أعضائه في جلسته المنعقدة يوم الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2013 وهو ديدن هذا الثلث تقريباً في الغياب وكأنه لا يشعر بمسؤولية وجوده ومسؤولية تمثيله لمن صَوَت له ولو كان هذا الصوت واحداً أو خمس أصوات وهو يدل أيضاً على اللامبالاة والهدف هو الكسب المادي أو الاستهتار بالقوانين التي تنص على حضور النواب الملزم إلا بعذر شرعي ، والمصيبة أنهم يعرفون هذه الحقيقة، حقيقة أنهم أصبحوا أعضاء في مجلس النواب بسبب المقاعد التعويضية المجانية التي كانت من المفروض أن تمنح للقوى السياسية التي جاءت الأصوات لهم وليس لغيرهم، وبسبب هذا الداء الذي يبدو مزمناً نقول ونكرر الاسطوانة " آخٍ ثم آخ " من قانون الانتخابات " وآخ" من ضمائر مازالت تصر على بقائه والسبب معروف، ففي خبر بثته البعض من وسائل الإعلام عن دعوة ائتلاف دولة القانون لإقرار قانون الانتخابات قال النائب انتصار حسن أن " التحالف الوطني والعراقية يؤيدان إجراء الانتخابات وفق دوائر انتخابية متعددة، كما ذهب خالد العطية رئيس كتلة دولة القانون في المجلس النيابي في القول " نحن مع القائمة المفتوحة والدوائر المتعددة بعدد المحافظات ( 18 ) دائرة وهذا أمر نهائي " (طبعاً مليون عافية ) حتى يتم الاستيلاء على أصوات القوى السياسية غير المتنفذة لكي تمنح لمن لا يحصل حتى على خمس أصوات ليكون عضواً في البرلمان بينما الذي يحصل على ( 12 أو 13 ألف صوت) فمصيره الفشل مثلما حدث في الانتخابات التشريعية السابقة ( مليون عافية على ديمقراطية خالد العطية ومن أمثاله ومن يعمل بالضد من قرار المحكمة الاتحادية التي أشارت لها النائبة المستقلة صفية السهيل بالقول ""عدم التزام الأحزاب والكتل بقرار المحكمة الاتحادية البات والملزم حول المقاعد التعويضية وأحقية توزيعها للخاسر الأكبر يعتبر خرقا واضحا للدستور وللسلطة القضائية من البرلمان العراقي وممثلي الشعب" .. وعلى ما يظهر من جلسة الخميس المذكورة فقد انهي ( 205 ) نائب قراءة ( 10 ) قوانين وبغياب ( 120) نائب " هلهوله لمن صوت لهم وللقوى والكتل السياسية التي رشحتهم لعضوية المجلس " مع احترامي للمصوتين الذين غرتهم الكتل والأحزاب وما خلفها، غرتهم الوعود وخدعتهم الادعاءات وغشتهم الشعارات الطائفية المغلفة بالوطنية، ولقد خصص يوم الاثنين القادم ( 30 / 9 / 2013 ) لمناقشة تلك القوانين لكن بيان المكتب الإعلامي في البرلمان ( حفظه الله ورعاه !!) الذي نشرته شفق نيوز أشار " إن هيئة الرئاسة قررت تأجيل التصويت على مقترح قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب رقم (16) لسنة 2005 والمقدم من اللجنة القانونية " وهكذا فان قانون الانتخابات قد يؤجل إلى الدورة البرلمانية القادمة أي عندما تجري الانتخابات التشريعية عام ( 2014 ) وتفرز النتائج ثم يبدأ الصراع على المناصب وفي مقدمتها رئاسة الوزراء وغيرها من الرئاسات " واخذ ليل وجر عتابة! " وبعد التي والتية "سوف يجتمع المجلس النيابي بعد الانتخابات " إذا اجتمع!!" وقد تمر شهور على الانتخابات ثم تطرح عليه القوانين وبينها قانون الانتخابات أما قانوني التقاعد والأحزاب فهما في العناية المركزة ‘ فوجود " تكهنات" عديدة على تأجيل التصويت على قانون الانتخابات في ( 30/9/ 2013 ) فإذا ما حصل ذلك فيعني أن الخطة الموضوعة لتمديد عمل البرلمان أخذت مسارها كما المخطط المرسوم والذي سيشمل تمديد عمل الحكومة أيضاً وبهذا تسدل الستارة عن فصل مأساوي من عمل البرلمان الحاضر الغائب لكي يتواصل مع فصل التمديد ، وقد يكون الاحتمال أيضاً بالتصويت على قانون الانتخابات بصيغته الرجعية المخالفة لقرار المحكمة الاتحادية والتي تصارع بعض الأطراف في التحالف الوطني والعراقية على المراهنة لبقائه من أجل توزيع المقاعد التعويضية على الحيتان السياسية، ولكننا مع كل ذلك سننتظر اليوم الموعود والتصويت المنشود وعند ذالك سنضع إصبعنا على الاحتمال الذي يراهن عليه من قبل البعض من هذه القوى ولكل حادث حديث. لقد أصبح غياب عشرات النواب عن اجتماعات المجلس مسرحية هزيلة جداً ويبدو أن الذين يقبضون بالملايين لا يهمهم إلا ما ينفع جيوبهم ولهم هدف في الترشيح ضمن كتل متنفذة تحقق طموحهم وتمنحهم عضوية المجلس النيابي بالمجان، ويبقي المواطن ينتظر الفرج يعيش هاجس الرعب والخوف من الأوضاع الأمنية المتردية بسبب المحاصصة والصراعات السياسية بين الكتل والفساد المالي والإداري والرشوة المتفشية فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية السيئة بما فيها البطالة والفقر وغير ذلك من الآفات الاجتماعية، وبدلاً من الإسراع في إنجاز التشريعات الضرورية التي تدعم حياة المواطنين وتدفع الاستقرار والسلم الاجتماعي إلى أمام نجد البرلمان يتلكأ في كثير من الأحيان من أنجاز مهامه لأسباب في مقدمتها الغياب وعدم اكتمال النصاب القانوني لجلسات البرلمان أو الخلافات السياسية التي تعصف بالكتل صاحبة الأكثرية والقرار أو عدم وجود توافق بين المصالح أو الخلافات حولها ومن هو الذي يستفيد أكثر من الآخر، ولهذا نلاحظ التهديدات المتبادلة بين الكتل البرلمانية حول إصدار أو تعديل البعض من القوانين، فلكل جهة وجهة نظر تختلف مع الأخرى ليس من اجل مصالح البلاد أو المواطنين العراقيين بل جوهرها خلاف ضيق بسبب المصالح وآفاق الاستفادة من القانون الوقتي وليس ديمومته أو بقائه ليكون قاعدة للعمل والانطلاق منه للتطوير وإيجاد الأفضل في التشريع والتطبيق. لا بد من ذكر الحقيقة أن أكثرية شعبنا العراقي كانت تحلم في انتقال السلطة في العراق من الدكتاتورية والفردية إلى نظام برلماني ديمقراطي ومجتمع مدني تصان فيه الحريات وتحترم المعتقدات وتحل المشاكل المتراكمة ، نظام فيه البرلمان هو التشريع الذي يقوم بحماية حقوق المواطنين وتسن من خلاله القوانين والتشريعات التي تكون ملزمة بعد إقرارها، برلمان كسلطة تشريعية مستقلة نسبياً وعدم التدخل في شؤونها وقراراتها وتعد مؤسسة بحق تمثل أطياف الشعب مثلما هو حال أكثرية البرلمانات في العالم المتمدن، إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل والجوهر المطلوب فلا البرلمان في شكله الحالي أصبح برلماناً يقوم بواجباته القانونية بشكل صحيح ولا هو متعطل عن العمل تماماً، فهو بين أمرين أما حاضر لكن حضوره غير كامل أو غائب لا يستطيع أنجاز أعماله بشكلها المطلوب بسبب جر الحبل بين الأحزاب والكتل التي تهيمن عليه، فليس من المعقول لبرلمان يغيب عنه أعضائه بالعشرات وباستمرار لا بل البعض من أعضائه لم يحضروا سوى اجتماع واحد ولا تجري محاسبتهم وإلغاء عضويتهم، أما القوى السياسية التي جلبتهم ووضعتهم وعينتهم في البرلمان فهي الأخرى على ما يبدو " راضية مرضية " وإلا لماذا لا تقوم باستبدالهم من هم أكثر شعوراً بالمسؤولية؟ ولماذا اتفقت معهم قبل الانتخابات ليمثلوها على الأقل لأننا نعرف أنهم لا يمثلون الأصوات التي سرقت من قوى سياسية أخرى حسب قانون انتخابات الدوائر المتعددة، البرلمان العراقي الحالي لا يمكن اعتباره برلماناً يوحد الصفوف فهو أساساً غير موحد داخلياً ولا يستطيع تجاوز نواقصه الذاتية قبل الموضوعية، ولا يستطيع القيام بأعماله دون صراع لا مبدئي بين كتله وأعضائه وصولاً إلى المعارك الكلامية والتشابك بالأيدي كما حصل سابقاً، ولهذا الكثير من المواطنين فقدوا الثقة كونه لا يستطيع معالجة وضعه ويحسم الكثير من المعوقات الذاتية وفي مقدمتها الغيابات المتكررة غير المعقولة والتراشق بالاتهامات في مقدمتها تهم الفساد والإرهاب التي تشكل عائقاً على قيامه كبرلمان يستطيع إنجاز مهماته بشكل كامل، وعندما نقول ذلك فهذا لا يعني نفي الصراع المبدئي من اجل الصالح العام والقضايا الموضوعية الهادفة لتحقيق المصالح الوطنية والشعبية وهذا الصراع موجود في الكثير من البرلمانات في العالم التي هدفها المعالجة الصحيحة للمشاكل التي تمر على البلاد أو بالضد من مصالح المواطنين العامة، أما أعضاء البرلمان العراقي المتغيبين بإصرار وهم على ثقة بأنهم باقون ولا يمكن زحزحتهم ولا زحزحة مكانهم كأسماء مجرد أسماء في مجلس النواب فتحتاج إلى وقفة مسؤولة من قبل الناخبين في المستقبل أما أن تكون الانتخابات وفق الدائرة الواحدة لجميع مرافق البلاد وان تكون القائمة المفتوحة أساساً للعمل كي يتم انتخاب الأعضاء بشكل ديمقراطي حر وعدم تعينهم من الحيتان الكبيرة حيث تضع كل من تريده حتى لو كان مرفوضاً من قبل أبناء الشعب في المكان الذي يجب أن يشغله من يستطيع العمل والحضور بشكل دائم وليس حسب المزاجية، ولهذا يجب أن يدقق الشعب بالطريقة الانتخابية وبقانون الانتخابات كي لا يتم جلب متغيبين دائمين في الانتخابات القادمة كما هو الحال في الوقت الراهن..
|