همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ! |
يحكى إن أبا الشمقمق كان يأكل الطعام بالطريق في إحدى أسواق بغداد ، فقبض عليه عامل الشرطة وزجره ، وأمره أن يتوقف عن الأكل ، وأخبره أن الأكل أمام الناس وبالطرقات مذموم ومكروه شرعاً وعرفاً ، فقال الشمقمق ممتعضاً : وأي ناس تقصد ؟ فأجابه : هؤلاء المارة بالسوق ، الا تراهم ؟ فضحك الشمقمق ساخراً ، وقال : لكن لا أرى أمامي إلا بقـرا رعاع ينعقون مع كل ناعـق، وهمّهم علفهم ، فغضب الشرطي ، وقال هؤلاء ناس محترمون ، ولماذا تستهزئ بهم ، والله لأخذنك بذنبك إلي مدير الحبس لسجنك ، فأستوقفه الشمقمق وراهنه إنهم بقر، و إنه سيثبت ذلك أمام أم عينيه ، فوافق الشرطي ، فصعد الشمقمق مرتفعاً بالسوق ، ونادى بأعلى صوته : إيها الناس ! أيها الناس ! فهبوا نحوه ، واجتمعوا حوله كي يعرفوا صوله وأمره ، فقال : لقد سمعت أبي عن جدي بما رواه عن جده وعن جده ، عن فلان قال : إني سمعت رسول الله ( ص ) يقول : من أوصل لسانه أرنبة أنفه دخل الجنة ، فما أنتهى الشمقمق من هرجه ، وإذا بالناس تخرج ألسنتها وتريد إيصالها إلي أرنبة أنفوها ، فضحك الشمقمق من المنظر وضحك الشرطي ، فقال : هل رأيت ، أهؤلاء الناس الذين أخبرتني عنهم ، أم هم بقر وأضل سبيلاً ، فقال الشرطي والله إنهم كذلك ، وصدق أمام الفصحاء وسيد البلغاء الذي قال فيهم همج رعاع ، وأتباع كل ناعـق ، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق . القارئ الكريم .. الهدف من ذكر القصة الأنفة ، وأنا هنا أعني وأشير إلي قضايا القذف والطعن والتشهير ، بان ليس كل ما يذكر ُيصدق وينقل ، وليس كل ما تراه بالإعلام حقيقة ، وخاصة بعصر الاتصالات الحديث ، زمن الأقمار الصناعية ، والكاميرات الذكية ، والألوان الخداعة ، ووجود أجهزة للتلاعب بالصوت والصورة ، والعرض بفن وحبكة تخدع أبخص العقول ! إذاً أنتبه وكن يقظاً قبل أن تنشر ما تتلقاه بأجهزتك الهاتفية أو الحاسوب ، أو حتى ماتسمعه من أخبار المجالس أو المحادثات ، فربما يصلك الدور وتكن أنت الكرة التي تتلاقفها الألسن ، وتصبك الدنيا بمخادع لم ولن تتوقعها وتعيش يوما بنفس الموقع .. لذا الأفضل والأسلم وضع الأمور بميزان العقل والترجيح قبل النعيـق خلف كل ناعـق ، وخاصة بالقضايا الأخلاقية التي تمس شرف وعرض وكرامة عباد الله ، والمصيبة العظمى في حالة كوننا لا نعرف حتى أطراف القصة أو خيوط القضية ، فقط نتسلى بما ننقل ، ونلهو بما نرى ونسمع ، للترفيه والضحكة وملء المجالس ، ونفضح وننشر أعراض الناس بقلب بارد ، وأشير هنا خاصة إلي ما يتناقله الناس هذه الأيام بأجهزة التواصل الاجتماعي بعصر العولمة ، كالواتساب والفيس بوك ، والإنستقرام ، والبريد الإلكتروني ، وغيرها من برامج حديثة . فلا تحملوا أنفسكم أزرا أخوتي أصحاب العقول ، فربما الشخص المتهم برئ ، وربما البريء متهم ، وبما إن بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجر ، ويكفيك ما لديك من قضايا ، ومن طرق باب الناس طرقوا بابه ، فتعود الحجر إلي بيتك ، وأن فكرت بالعقل لا العاطفة ، أنت غير ملزم أن تعرف كل شيء لتنقل كل شيء ، ولن تكون ناقصاً كونك غير ملم بكل شيء ، فأنت لست منكراً أو نكير تحت الأرض ، ولست قاضي القضاة فوق الأرض ، وربما لن تصب كبد الحقيقة بإعادة إرسال ما وصلك من الظن ، فما هي إلا نزوة وفرحة لثوان معدودة سوف تسجل بأسمك ، وكل من يراها أو يقرأها بعدك ، ستحسب برصيدك أثما ًوبهتانا ًوغيبة وحملاً ثقيلاً وباء سبيلا ، ولنتعظ بآيات الله وأخلاق نبيه العظيم ، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، وقيل : ( احمل أخاك على سبعين محمل حسن ) ، إذا أخي وأختي دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والسلام .
|