خذ كأسا إليك.. |
أول ما رأيت لونها الذهبي وهي تسكب في الكأس، سرح عقلي لخيال بعيد، لا أعرف لم تذكرت وجوه شاربيها، وهي تبدأ بالإحمرار شيئاً فشيئاً.. ثم تسترخي النفوس وتبدأ بالابتسام والبوح والضحك.. رؤية الكأس التي صار لونها ذهبيا، أخذتني لـ "عالم آخر" ومواقف اختبرتها بعد عام 2007. كنت اُريد شراء سيارة من أحد المعارض، أقتربت من صاحبها وسألته عن المبلغ، وبعد أن أعطاني مواصفات سيارته وسعرها قال لي "شوف حبيبي، الله وكيلك، آني الفلوس آخذهن، أشرب بيهن، لذلك مراح أحلف وأطلع چذاب". لا أعرف لماذا شعرت بصدقه. لكني عللت ذلك بأن بائع السيارة كان يريد الحصول على أي مبلغ لكي "يشرب" فهو لا يملك الوقت للمفاصلة. حقيقة لم أفهم لماذا وثقت بكلام هذا "السكير"، في حين إننا في الثمانينات أو حتى التسعينات كنا ننظر لـ"شارب الخمر" نظرة عدم ثقة وخوف!.. وربما المقارنة بين "النقيضين" هي التي جعلتني أظن أن كلام بائع السيارة كان صدقا. حسنا.. لأضعكم في اختبار وضعت نفسي فيه سابقا، حتى نعرف ان شعورنا بالامن سيكون أقرب لمن، ولنفترض أننا نجلس في سيارة أجرة، وصعد أثنان، أحدهما بلحية طويلة وله "مظاهر" الإسلامي المتشدد.. والثاني "مطوط".. فمن مِن الاثنين سيثير خوفنا أكثر؟ بالتأكيد فان "المطوط" لن يخطر ببال أحد أنه سيفجر نفسه. "سكير" الثمانينات أو حتى التسعينات الذي كنّا نراه في الشارع، هو نفسه سكير 2013، لم يتغير فيه شيء، فهو ليس بعنيف، ولا قاتل، ولا مُفخِخ، ولا يرتدي حزاما ناسفا.. لكن الطرف الآخر هو الذي تغيّر، هذا التغيير هو الذي "دوّخ" الناس وجعل الكثير من المتدينين يرضى بحاكم يشرب الخمر، شرط أن يعيش الناس بأمان. الأيام "السودة" التي نعيشها، جعلتني أيضا وأنا "صافن" على الكأس أمامي، أتذكر طرفة صديق كان يقول "أتمنى أن يشرب كل العراقيين، فنحن لن ندخل الجنة أبدا، لكننا لو شربنا وابتعدنا عن سيرة الطائفية، فعلى الأقل سنضمن أن أولادنا يكبرون من دون حقد أو عنف، وربنا سيعاقبنا 200 سنة وبعدها نخرج للجنة".. كلامه كان موجعا حقا.. فأن تجد نفسك بين صراع طائفي يفضي للحقد والقتل، وبين "الهروب بالخمر" هو كارثة فعلا. ربما صفنتي طالت، ولم انتبه، إلا ويد صديقي "تنكزني" وهو يقول: "حبيبي.. شنو القصة كل هاي الصفنة على كلاص باربيكان".. رفعت له كأسي وأنا اُردد شعر السيد الحبوبي: أعطني كأسا وخذ كأسا إليك.. فلذيذ العيش أن نشتركا.. |