بائعة البخور زهراء والعشاء الاخير

 

العشاء الاخير ...للشاعرالمصري امل دنقل

أعطني القدرةَ حتى أبتسم..

فشعاع الشمس يهوي كخيوط العنكبوت

والقناديلُ تموتُ

قدمي تلتمس السُّلمة الأولى لكي أصعد فوقا

ويدي تلتمس الحاجز إذ أخشى السقوط

كيف أبقى؟

عفن الموتى، وأطياب الحنوط

نكهة تكسو فناء البيت، تسري في دمي عرقا فعرقا

.. منهك قلبي من الظلمة، إني لا أرى

آه لو لم ألتهمه - القمر الشاحب - لو..

ربما نور في الظلمة برهة

غير أني كنت جائعا

وأنا الآن فقدت القمرا.

..............

جائع يا قلبي المعروض في سوق الرياء

جائع.. حتى العياء

ما الذي آكله الآن إذن..

كي لا أموت؟*

 

مأساة الشهيدة زهراء جعلتني استذكر قصيدة الشاعرالمصري امل دنقل لاجعل منها كمقدمة وزاوجتها مع مقالتي عن طفلة عراقية لايتجاوز عمرها ثلاث عشر ربيعا من مدينة الصدر قطاع (5) .

زهراء بائعة البخور تلك الام العراقية الصغيرة التي طلقت الطفولة رغم سنها الصغير لتكون ام وربة بيت وتشرف على تربية اخوتها الصغار بعد وفاة ابويهما , وشعرت بالمسؤولية الملقاة على عاتقها في تكفل مسؤوليات البيت .

كانت زهراء غيورة جدا عفيفة طيبة الخلق وكأن الله خلقها لتكون مثالا للاخرين , توشحت بالسواد في لبس العباءة والحجاب لتشعر الاخريات من بنات جنسها بحشمة المرأة المسلمة وشرفها الرفيع واضح على محياها مع براءة الاطفال على وجهها الجميل بمكنوناته .

زهراء لم تمد يدها للاخرين ولن تسرق او تحتال ولن تنزل لعالم الرذيلة ولن تقف على باب مسؤول لتستجدي ,بل عاشت حرة كريمة وبشموخ فنزلت لساحة العمل لتبيع عطر الجنة واضرحة اهل البيت وهي ابنة بلد يكنز خزائن الارض تحت ارضه ويمتلك ثالث احتياط النفط في العالم .وهذا حال ايتامه واطفاله يتحملون مسؤولياتهم دون رعاية الدولة لهم .

زهراء مع كل صباح تعمل الفطور لاخوتها ومن ثم ترتدي عبائتها وحجابها لتحمل سلة البخور الى السوق القريبة من بيتها لتفترش الارض وتمارس عملها في بيع البخور ومايجود عليها الله من رزق حلال وشريف لتعود لبيتهم حاملة معها الطعام لاخوتها الايتام .

الارهاب في بلدي لايعرف غير لغة القتل والدمار لافرق بين سني وشيعي او مسيحي او صابئي الارهاب من عالم اخر يختلف عن عالم الانسان والانسانية لايؤمن بقدسية المكان فجر اضرحة الائمة الاطهار فجر الجوامع والكنائس والمستشفيات لايحترم حتى الاموات ففجروا الماتم والفواتح . وكان هدفهم مؤخرا وليس اخيرا على مجلس عزاء في قطاع (5) في مدينة الصدر ليحصدوا المئات من الشهداء والجرحى فكانت زهراء بائعة البخور من بين الشهداء , لانها كانت تحمل قدرا كي تاخذ طعاما لاخوتها لانها في ذلك اليوم لم تحصل على اي رزق من بيع البخور .

سقطت زهراء شهيدة تاركة اخوتها الايتام للقدر دون ان تاكل معهم عشاؤها الاخير, فقد توقفت عن بيع البخور لتنام على دكة الموتى في الطب العدلي وحتى في موتها لم يحسب لها تابوت مع الاموات المائة ولم تشيع معهم في نفس اليوم .

ماذا اقول لك يازهراء وانت تودعين عالمك لتكوني حورية من حوريات الجنة واصبحت رواية عراقية ليخلدك التاريخ في صفحاته لانك ثورة لاتنتهي وارختي لطفولة تذبح بلا ذنب وفضحتي كل ارهابي زنيم لتكشفي عوراتهم لتاريخهم الزائف والمخجل .كذلك فضحتي عورات حكومتك التي لاترعى الطفولة ولن ترعاك يوما.

نامي قريرة العين ان الله اصطفاك لجنانه فسلام عليك يوم ولدتي ويوم استشهدتي ويوم تبعثين حيا...