في كلّ شعوب الأرض، وقوانين البشر، القديمة والحديثة، القاتل منبوذٌ ومرفوض ومحاصرٌ ومطلوب. فهو يسلب حقّ الحياة ممن يستحق الحياة، وينشر الحزن والفجيعة أينما حلّ، وكيفما حلّ.. لكن في بلدي المهتوك، القاتل معزّزٌ وطليق، مسترخٍ لأفعاله. لا خائف ولا حزين. بشّروه بحور عين، وعشاء مع رسولٍ كريم، في مطعمٍ بخمسة نجوم، يخدمه جبرائيل، ويجلب الطعام ميكائيل، ويعزف له اسرافيل. خجلٌ منه عزرائيل وعن يمينه وشماله حور عين تداعب أطراف أذنه بهمس رقيق، ثم يأخذ حبوبه الزرقاء، ويستأذن من رسول الأتقياء، فيدخل في قصره مع القاصرات.. هكذا يحلم ابن العاهرات، فيفتك بنا بلا شكٍ بذنبه أو عتاب، وإن لم ينل حظه بالاستشهاد، وقبض عليه سهواً من قوات السوات، فسيودع مُعززاً في سجن لا تنقطع عنه الكهرباء، بوعدٍ لفتح باب السجن في قادم الأيام، ليحاول كـرّة أخرى، فيقطع تذكرة الوصول، الى المطعم الخاص، بسيّدنا الرسول.
أيها الربّ الجميل، أمّا أن تغلق مطعم الرسول هناك، وتكتب على واجههته (أغلق المطعم لمخالفته تعليمات وزارة حقوق الإنسان)، أو ترسل لنا نبياً نقاتل معه، ونقسم لك بالعبّاس، أننا لن نقول له (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ). إننا نُبادُ سيدي الرب، وحكومتنا حكومةٌ سخيفةٌ، لا يحملون قلوباً رهيفة، كأنهم أعجازُ نخلٍ خاوية. يفرحون للقتل، كأنما هي سُنّة سارية.
بالأمس كان عندنا طاغية، فعل ما فعل ورحل الى عيشة راضية. قالوا إنّه نطق الشهادتين عند شنقه، فتلك بشارة عالية، ثم أتوا هؤلاء بصكوك مزورة، ليكملوا الحلقة الثانية. كلٌ يقول أنا حبيب الرب. أنا الزوجة الغالية، وأولاد عمومتي يموتون كل يوم بالقاضية. ضاقت بهم شوارع المدينة، وضاقت السماء، وأحباب الله لا يفارقون البقعة الخضراء. يصدرون أوامرهم بقتلنا صباحَ مساء. وستنبت أرضنا بعد حين وروداً تنوح بالبكاء. تنشد بوحاً آدميّاً بحرقة وانكسار، تلك الورود تشبّعت كثيراً من الدماء.. رحماك أيْ رب، حتام هذا الحزن وهذا الهراء؟ وإن حال بين حلمي وتحقيقه قدر الموت، فإني سأوصي أن يربطوا تحت كفني حزاماً ناسفاً، ويحشروا بكفي حفنة من (الواهلية). وسأبحث عند حشري عن ذلك المطعم المشؤوم، وأجلس مع القتلة وأصحاب اللحى العفنين، وسأفعل كما فعلت جدتي في زيارة الأولياء. سأهلهل على رؤوسهم وأرمي حبات الحلويات، وأنادي عليهم (Surprise)، وأسحب فتيل الحزام... لكن سيدي الرب! عندي تصورٌ أنَّ الحزام سوف لن ينفجر، وسيقهقه الحاضرون وهم يتناولن حبات الواهلية!
|