الإرهاب والحدود القصوى للعبة الطائفية

 

(لا تقدم هذه المقالة إجابات بل تنظر بالاحتمالات)

لماذا اسميها لعبة؟ لأن ما يحدث في العراق ليس حربا طائفية...... ليس لدي تعريف كلاسيكي للحرب الطائفية  ولكن حربا كهذه شرطها الأساسي أن تفقد الدولة قدرتها على السيطرة وفي الحالة العراقية تعني أن يتحول عموم الشيعة وعموم السنة وبقية المنتمين إلى مذاهب وقوميات مختلفة إلى "ميليشيات" لا تخضع لسلطة الدولة تقوم بفرض "قوانينها" على الواقع وتقتل كل من يقع بيدها من الطرف الآخر "المعادي" وتحكم سيطرتها على جغرافية محددة...وبالطبع يرافق ذلك عملية "تطهير" يدفع فيها كل مكون من المكونات نحو كانتون خاص به.وهذا لا يحدث في العراق اليوم رغم كل محاولات الدفع بهذا الاتجاه  ولم يحدث إلا بحدود ضيقة جدا بعد تفجير مرقد الإمامين في سامراء ولكن سرعان  ما تم تدارك الموقف بفضل صرامة الحكومة (بحدود قدراتها المتوفرة في ذلك الوقت) والموقف التاريخي للمرجعية الشيعية وامتناع الغالبية الساحقة من السنة والشيعة عن الانجرار إلى مهاوي الفتنة....

 لقد أراد مخططو الحرب الطائفية في العراق من وراء عمليات التهجير إحداث فرز طائفي جغرافي لو نحج بالدرجة التي كانوا يتمنونها لأصبح العراق مقسما بحكم الأمر الواقع. وقد عبر حرص الحكومة على إعادة المهجرين إلى مناطق سكناهم الأصلية عن وعي بمخاطر الفرز الطائفي كما وعبرت رغبة المهجرين بالعودة- في أغلب الأحيان  مخاطرين بحياتهم وحياة أولادهم - عن حقيقة أن المذهبية لدى الفرد العراقي هي ليست أكثر من معتقد وليست هوية وأن حياته الحقيقة هي الوسط المتنوع المترابط الوشائج الذي ولد ونشأ فيه كما وعبرت عن إدراك لا لبس فيه أن من يقوم بعمليات التهجير هم ليسوا أبناء السنة أو الشيعة بل قلة قليلة من  الشاذين (لا ينكر أن التهجير طال الشيعة أكثر من السنة)....

لذلك أقول لقد أفشل العراقيون بدمائهم مخطط الحرب الطائفية ولا يزالون يفعلون. ومهما أصاب المزاج الشيعي والسني من توتر فهم ليسوا بوارد اللجوء إلى التحارب كحل لأن لا أحد منهم يتطلع إلى هزيمة الآخر "كحل" قابل التنفيذ عدا من يشذ عن التفكير العراقي السوي ممن هم على نمط العلواني أو ناصر الجنابي أو حارث الضاري والذين لم يستطيعوا أن يجدوا بيئة شعبية تحتضنهم. ويعمل مخططو الحرب الأهلية لخلق مناطق تخرج عن سيطرة الحكومة العراقية خاصة في المنطقة الغربية ليتسنى لهم تجميع أمثال هؤلاء في أي لحظة ضعف تنتاب قدرة الحكومة عل السيطرة.

ولا بد أن هناك من سيسأل: إذا كان الطرف الذي يقف راء القتل هدفه الحرب الطائفية لماذا يقتل من الشيعة أكبر بكثير من السنة؟ أعتقد أن السبب هو أن  هذا الطرف قد وجد تجاوبا من أطراف سياسية و"شعبية" سنية أكثرها كانت مرتبطة بالنظام البعثي المنهار أكبر مما وجد لدى الشيعة رغم أنه  لا يتردد في قتل أي سني يقف في طريقه. وأغلب ظني أن الطرف الراعي للقتل يريد أن يخلق ردة فعل تراكمية في النفسية الشيعية يظل ينميها لتصل في لحظة ما إلى درجة الاشتعال flash point أي انفجار أو انفلات الكراهية من عقالها والتي تترجم نفسها بعنف مضاد موجه للآخر. ويكفي أن تنطلق شرارة منها في مكان ما مهما كان صغيرا ليبدأ الحريق الكبير. ويلعب الإعلام التحريضي دورا إجراميا في هذا الشأن يستحق عليه المحاسبة القانونية...

ولكن الشيعي يبدي درجة من المقاومة والكبت لهذه المشاعر تغيظ هذا العدو فيندفع نحو المزيد من القتل. ويبدو لي - وبحدود ما تظهره ردات الفعل إزاء العنف- أن السيكولوجية الشيعية إن صح القول أكثر سلمية وأقل ميلا للعنف من السيكولوجية السنية.
يتعرض الشيعي لضغط شديد باتجاه تفجير مكنون غضبه لكنه يقاوم بدرجة عجيبة تغيض أعداءه....

وهنا بالذات لا أريد أن اقلل من دور القيادة الشيعية السياسية والدينية في عملية "ضبط الأعصاب" الشيعية ومنعها من الانفلات لأن وعيها عال وتجد في نفسها حاملة رسالة  ويتجسد وعيها في إدراك أن الهدف النهائي هو القضاء على النظام السياسي القائم...كما وكان خطاب القيادة الشيعية تصالحيا في عمومه بينما امتاز الجزء الأكبر من خطاب القيادة السنية (وكذلك العلماني المتمثل بالسيد علاوي وميسون الدملوجي) بالتوتير و تواصل هذه القيادة الاعتماد على مثل هذا الخطاب لكسب أتباع لها على حساب وحدة العراق شعبا وجغرافية....و هنا تجب الملاحظة أن الخطاب السني "التوتيري" يتغطى بغطاء النقد للحكومة.....و لا يبدو أن ممارسي هذا النوع من الخطاب يبالون بحقيقة  أن هذا النوع من  الخطاب لا يجد أتباعا إلا من الوسط القليل الثقافة  طالما كان الشخص الواعي له صوت والجاهل له صوت ولأن كسب الجاهل لا يكلف جهدا كبيرا وأن بالإمكان تجنيده للقيام ب "الأعمال  القذرة" إن دعت الحاجة....

حسنا، إذا لم تكن حربا طائفية فهل هو صراع طائفي على مستوى القمة يذهب ضحيته الناس العاديون؟

هناك صراع في القمة ولكن في حقيقته ليس بين جبهة سياسية سنية متضامة  compact وأخرى شيعية بنفس الصفة... لقد تعرض نوري المالكي لقدر من النقد من قبل الصدريين يفوق ما تعرضت له كل الأطراف السنية وأكثر من ذلك تحالف الصدريون مع كتلة "متحدون" التي يرأسها النجيفي في مجلس محافظة بغداد وديالى وأقصوا ممثلي دولة القانون. وليس المجلس الأعلى اقل نقدا ولو بطرق غير مباشرة ولكنها واضحة ورأينا كيف أن السيد عمار لم يصدر منه يوما ما يحمل السيد علاوي أو الأكراد أو أي من الأطراف السياسية السنية مسؤولية الاحتقان والتأزم ودائما ما وضع اللوم على "الحكومة". و فعل أيضا ما فعله الصدريون في تحالفاته الخاصة بتشكيل بعض مجالس المحافظات من أجل إبعاد ممثلي دولة القانون....إذا ليس هناك اصطفاف سياسي شيعي في القمة في مواجهة اصطفاف سني وتحمل المالكي قدرا هائلا من النقد من كلا الطرفين محملين إياه كل مسؤولية ما يحدث واصطفوا صفا واحدا في مجلس النواب من أجل إصدار قرار مخالف بشكل صريح للدستور العراقي وكل دساتير العالم يحرم رئيس الوزراء من الترشح لولاية ثالثة وكان واضحا للجميع أن المقصود هو ليس اي رئيس وزراء بل المالكي تحديدا وسوف يجتمعون ويلغون هذا القرار حالما يأتيهم رجل يرضون عليه مجتمعين....

وهذا لا يمنع من القول أن هناك صراعا (ربما كلمة "اصطفاف" أدق) سياسيا  بدرجات متفاوتة من الحدة وواضح للجميع أن طرفه الأول هو ائتلاف دولة القانون والثاني بقية الكتل منفردة تارة ومجتمعة أخرى فمن من الكتل لم تدخل في خلاف مع دولة القانون ممثلة بالمالكي؟ بالطبع يجري تصوير الخلاف على أنه مع المالكي كشخص ولكن ذلك ليس مقنعا والمقنع هو أن هناك خلافا على المنهج وهو ليس منهج المالكي بل منهج الكتلة السياسية التي يمثلها والتي تحظى بثقة جزء كبير من الشعب العراقي. قد يكون أداء حكومة المالكي أو كتلته البرلمانية غير مقنعا للكثيرين ممن يبحثون عن حلول سريعة في وضع لا تتوفر فيه مستلزمات الحلول السريعة (الحلول السريعة تتطلب واحد من اثنين أما سلطة دكتاتورية لا تخضع قراراتها للمناقشة أو انصياع  consent يفرضه حزب أو كتلة حاكمة تملك غالبية برلمانية)....
 وفي كل الأحوال فإن الخلاف لم يقم على أرضية طائفية رغم أنه يتغطى بها أحيانا....
 
إذا، إذا  كنا نعيش لا حربا و لا صراعا طائفيا بل لعبة طائفية ما الذي يراد به من هذه  اللعبة ؟ قد تكون لعبة لها هدف محدد تقف عنده وقد تكون لعبة استنزاف لا حدود تقف عندها والمهم أن يبقى العراق بلدا ضعيفا مفككا لن يتمكن يوما من التحول إلى قدرة اقتصادية وسياسية مؤثرة في إقليمها يقصي الدور السعودي والخليجي من معادلة التأثير وبالتالي لا يهم من يكون يحكم العراق دولة القانون كان أم غيرها. لكن هنا بالذات تصبح اللعبة سياسية بحكم أهدافها وتبطل أن تكون طائفية إلا بالمظهر.

. أين الحد الذي ستقف عنده هذه اللعبة؟ إذا تحدثنا عن التقسيم كحد لوقفها لا بد وأن الذي يقود اللعبة من الخارج بأدوات الداخل بالطبع قد فحص بدقة ما ينطوي عليه التقسيم من مخاطر على مصالحه بالدرجة الأولى. ولي رؤيتي بهذا الخصوص أطرحها كاحتمالات أراها ممكنة الوقوع...

لذلك دعونا نفحص خيار التقسيم إلى ثلاث دول كردية وسنية وشيعية ونضع في بالنا أن قيام هذه الكيانات تتطلب أولا انهيار الحكومة المركزية وفقدانها  القدرة على السيطرة على أجزاء واسعة من العراق وقيام احتراب في المناطق المختلطة.

"الدولة" الكردية:

لن أتحدث عنها فهي قائمة بحكم الأمر الواقع ولكنها سوف تتوسع إذا ما انهارت الدولة العراقية  لتضم كركوك وأجزاء واسعة من محافظة ديالى وربما شرق واسط (الكوت) كما سأبين لاحقا. وهذه "الدولة" لا ينقصها سوى الإعلان السياسي وهذا يعتمد على حسابات الربح والخسارة لدى القيادات الكردية ثم التوافق الإقليمي والدولي  وأكتفي بالقول أن المجال الحيوي لهذه الدولة سوف يبقى محيطها الإقليمي العراقي العربي وتركيا وإيران وهي من يقرر نجاحها أم عدمه أما قيام الدولة الكردية الكبرى فلا بد وأن يسبقه تفكك تركيا وإيران وهذا ليس في المتناول على المستوى المنظور.

 "الدولة" السنية

لنلقي نظرة على جغرافيتها أولا: نشرت صحيفة الواشنطن بوسط خارطة "لدول" العراق الثلاث وفيها أن "دولة" السنة تضم الأنبار، الموصل، صلاح الدين وديالى وفيما بدا لي جزء كبير من بغداد...
أسوق الملاحظات التالية على هذه الخريطة:

أولا: أن بغداد تضم خليطا شيعيا سنيا وهذا يعني أن قيام الدولة السنية لا بد أن يسبقه فرز يحصل في هذه المدينة المترامية الأطراف وهذا الفرز يتطلب اندلاع حرب بين أجزاءها بالتوازي مع عملية تهجير واسعة النطاق تنتهي بحصر الشيعة والسنة كل في مناطق محددة من بغداد واحدة تتبع الكيان السني وأخرى تتبع الكيان الشيعي...

ثانيا: إن في ديالى  خليطا من كل القوميات والطوائف وحالما تتفكك الدولة العراقية فإن الجزء الأكبر من المحافظة الممتد من خانقين ومندلي شرقا حتى المقدادية التي تبعد 30 كيلومترا عن المركز بعقوبة سوف تذهب للدولة الكردية كاحتمال قوي بفعل وجود عدد كبير من الأكراد بها وبحكم تطلع العديد من القيادات الكردية نحو التوسع وقد ظهرت هذه المناطق ضمن حدود الدولة الكردية التي نشرت يوما على غوغل... وسيتبع ذلك تهجير جميع سكان القرى الشيعية التابعة لقضاء المقدادية....أما الخالص وقراه الشيعية وكذلك المدن الشيعية الصغيرة المحيطة بالمركز بعقوبة فلا يمكن فعل الشئ نفسه معها بسبب قوتها. وقد بينت انتخابات المجالس المحلية في المحافظة أن عدد الشيعة يقارب عدد السنة مما يجعل هذا الجزء من "الدولة" السنية غير مستقر...ومن يدري فقد تختار ديالى أن تكون جزءا من إقليم كردستان كحل لصراعاتها التي ستفجرها "إعلان الدولة" السنية.....

ثالثا: بالنسبة لصلاح الدين والتي تضم هي ايضا أكرادا وتركمانا وشيعة لا أعرف نسبتهم إلى عدد السنة فإن مجالها الحيوي سيكون الدولة الكردية  أكثر من أي جزء آخر خاصة و أن بغداد سوف تفقد دورها كمركز "كان" يضم مؤسسات الدولة الاتحادية....

رابعا الموصل عروس "الدولة" السنية. لا أتوقع أن تبقى موصلا إلا بالاسم  وسوف يذهب الجزء الشرقي منها (شرق دجلة وأعتقد يسمى سهل نينوى) إلى الأكراد أما جزءها الغربي فسيتحول إلى إمارة صغيرة يحكمها ممثلو الباب العالي في تركيا من آل النجيفي....أي ستذهب إلى تركيا....

وهناك أسئلة كثيرة أخرى تتعلق ب "الدولة" السنية"

أين عاصمتها؟ اي نظام سياسي ستقيم؟ما هي مواردها؟ ما هي حدودها السياسية؟ وهل سوف يتعين على مواطن من صلاح الدين مثلا أن يحصل على "فيزا شيعية" من اجل الدخول إلى الجزء الشيعي من بغداد أو إلى البصرة أو أي من محافظات العراق ذات الغالبية الشيعية؟ من  هي القوى التي ستسير شؤون هذه الدولة وعشرات الأسئلة غيرها مما لا يستطيع الإجابة عليها كل فطاحل السنة. وإذا أردنا الحديث مجازا عن كيان سياسي يشمل سنة العراق وسوريا (بعد تقسيمها هي أيضا) يكون تحت رعاية السعودية فما الذي سيجعل السعودية تضع تحت إبطها وتتحمل مسؤولية إخضاع وتنظيم وتمويل هذا الكيان الشحيح الموارد الذي يضم أكثر من عشرين مليون  "مواطن" جديد؟
ولنأتي الآن إلى "الدولة الشيعية" في الوسط والجنوب ذات الموارد النفطية الهائلة فنسأل: ماذا يعني بالمفهوم الاستراتيجي قيام مثل هذه الدولة؟ يعني ذلك بالضرورة  أنها ومن أجل حماية نفسها لا بد وأن تدخل في تحالف وثيق إن لم نقل وحدة عضوية مع إيران ! نفط إيران بما في ذلك احتياطيها الكبير يضاف على نفط الدولة الشيعية واحتياطيها الكبير أيضا ! هل سيفرح ذلك أمريكا والسعودية؟ وهل لسنة العراق ما يعترضون عليه فهو قرار سيادي مثل قرارهم النوم تحت سرير مملكة آل سعود؟ انتظروا هناك المزيد. إذا قامت الدولة الشيعية عملا بقانون التقسيم ما الذي يمنع شيعة المنطقة الشرقية في السعودية- حيث معظم مكامن النفط السعودي - من حق الانفصال هم ونفطهم والانضمام إلى دولة إيران والعراق الشيعية ويتبعهم البحرانيون وبذلك يسيطر الشيعة على أكبر مخزون للنفط بالمنطقة؟و لاشك أن كيانا قويا وثريا كهذا يمكن أن يبلع بقية دول الخليج الصغيرة بلقمة واحدة ما لم تضع الولايات المتحدة جيشا دائما وضخما تحيط بهذه الدول أو تعلنها ولاية أمريكية  !!لم أنته بعد فأضيف: لماذا يقف النفوذ الشيعي عند هذه الحدود فهناك علويو سوريا بعد تقسيمها وعلويو تركيا (ربما تقسم هي أيضا) البالغ تعدادهم أكثر من 10 مليون وهناك شيعة عمان وشيعة اليمن وفي اي مكان يوجد فيه شيعة في الباكستان أو في الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق كل هؤلاء من حق الكيان الشيعي القوي الجديد المتكون من دولة العراق الشيعية وإيران وشرق الجزيرة العربية أن يجعل نفسه ممثلا لهم ومدافعا عن حقوقهم...

وبالطبع فإن تقسيما كهذا للعراق إذا ما تم سوف يلغيه من خارطة العالم السياسية كما ألغيت يوغسلافيا.....

لم ينجح الإرهاب في خلق مستلزمات الحرب الطائفية كشرط ضروري للتقسيم والسبب الأساسي في رأيي لا يكمن في الموقف الشعبي الواعي والمتحمل فهذا يمكن العمل معه لإيصاله إلى نقطة نفاذ التحمل ثم التصادم ذلك أن الجهلة من الفريقين موجودين وعندما يتحرك هؤلاء ليس العقلاء الذين لا يملكون القوة هم من يستطيع أن يوقفهم (حتى المرجعية الدينية صاحبة النفوذ المعنوي القوي قد تجد نفسها عاجزة)  بل  قوة أخرى "عاقلة" هي قوة الدولة بجيشها وشرطتها ولكن قبل كل شئ بالحكومة وقيادتها السياسية وهذا ما لا يتوقف دعاة الفتنة عن التشكيك به ليل نهار فهم يريدون إضعاف ثقة الناس بهم بحيث لا يصغي لهم أحد إذا ما اندلعت الشرارة بل  تضع أطراف الفتنة -التي تنوح على التوازن-  الأجهزة الأمنية هدفا لأنها تمثل عنصر القوة الذي بواسطته تستطيع الدولة أن تفرض سيطرتها و إذا ما أصبحت هذه القوة عاجزة عجزت الحكومة فيكون انهيار الدولة....

وتتعرض الوجوه المعروفة من القيادات العسكرية للتشكيك الذي يصل حد السخرية منهم كما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أناس ينقسمون بين مغرض وجاهل لذلك يجب أن تنظم عملية ظهور هذه القيادات على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة.
ويلعب رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي دورا خطيرا ومشبوها عندما يحاول- وبرضى الجهلة من الكتلة الشيعية – أن يخضع قيادة الأجهزة ألأمنية وتحت عنوان المساءلة البرلمانية إلى إرادة غير إرادة الحكومة بما يؤدي إلى تفتيت ولاءها وجعله خاضعا لإرادة الكتل السياسية المتصارعة فيكون قد دق أول إسفين في حصانة هذه المؤسسة والحفاظ على نفسها خارج دائرة المولاة  السياسية....

ولكن أكثر الجهد الرامي إلى إضعاف الدولة وإفقادها السيطرة ينصب على إضعاف الحكومة وبالتحديد رئيس الوزراء الذي يبدي جلدا وحزما وقدرة على مواجهة الضغوط التي ترمي إلى واحدة من اثنين: إما دفعه إلى الإقدام على خطوة متسرعة تتسبب بإزهاق أرواح بريئة تجعل من هذا الخطأ شرارة التفجير أو إظهاره بمظهر الضعيف غير القادر على اتخاذ خطوات جريئة وغير القادر على حماية أحد بما في ذلك قوى الأمن والجيش  الذين يتعرضون للهجمات كل يوم....وقد امتحن في أحداث الحويجة وخرج سالما ويمتحن كل يوم في الأنبار و لا تنفك القوى المتربصة  تخلق له بؤر توتر...

وقد أظهر رئيس الورزاء جلدا وبرع في الجمع بين الحزم والليونة. لقد ابدى استعدادا للتجاوب مع كل المطالب التي تتفق مع الدستور وتقع ضمن صلاحياته ولم يتعد على صلاحية القضاء أو مجلس النواب وهو بذلك أفهم الناس جميعا أن العراق يعيش زمنا آخر. وقد حاول بعض "قادة " السنة الحمقى  أن "يتذاكوا" عليه بشأن مطالب متضاهري الانبار عندما قالوا ما معناه: "يعني شبيهه....هو رئيس أعلى سلطة ويكدر ينهي المشكلة بجرة قلم..." أي بتوقيع على الطريقة الصدامية التي تتفق وثقافة أسيادهم الخليجيين.

والمتابع للإعلام "الحر" اليوم يخرج باستنتاج أن مخططي تخريب العراق لا يزال لديهم شوط في اللعبة لم يلعبوه إلى نهايته وهو شوط عنوانه: "تغيير المعادلة السياسية" وهي تعني ببساطة تهيئة الأجواء لمنع ائتلاف دولة القانون من أن يكون مرة أخرى القوة القائدة على الجبهة الشيعية في الانتخابات القادمة....سلاحهم:  مواصلة العنف وبأعلى مستوى ممكن، تشكيك في قدرات ومنجزات قوات الجيش والشرطة وإضعاف ثقة الناس بها، تلميع الوجوه الشيعية "المسخمة" مثل أحمد الجلبي وعادل عبد المهدي واستخدام كل ترسانة الإعلام الغربي في إشاعة الأكاذيب والتي عادة ما يلجأ إليها عند التهيئة لانقلاب قادم سلمي في ظاهره ولكنه مخضب بدماء الأبرياء في حقيقته.....