يا أهل البصرة!

 

الى ما قبل يومين فقط كنت أظن ان بغداد، حيث أقيم وأعمل، هي الأولى قاطبة بين مدن البلاد، تليها الحلة حيث يتوطن الأهل من والدين وأخوات وأخوة ، لكنني وجدت الآن من تنافسهما، بل تبزّهما بامتياز.
المدينة هي البصرة. أما قصب سبقها ففي الوساخة والقذارة والعفونة وتردي مستوى الخدمات العامة .. عفواً أهل البصرة، فاني أعرف روعتكم ونظافتكم وأناقتكم وسماحتكم وكرمكم وهمّتكم، منذ أن زاملني في الجامعة بعضكم، ومنذ أن اتخذت من مدينتكم ممراً لي ومستقراً لبعض ليال وأيام عندما كنت أعبر الى الكويت ومنها في مطلع سبعينات القرن الماضي، حتى انني اخترت بصرتكم التي كانت جنة لأتزوج وأتعسل فيها .. معذرة فالقصد مدينتكم بشوارعها وساحاتها ودرابينها وأنهرها المهملة.... وجدتها مزبلة كبرى .. بغداد كذلك والحلة أيضاً، لكن البصرة التي زرتها منذ يومين كانت أكثر وساخة وأكثف قذارة .. اني لأعجب كيف تطيقون الحياة وسط أكوام النفايات، وأعجب كيف تتنفسون هذا الهواء المشبع بالروائح الكريهة عند الأنهار.
أتذكر ان الكورنيش كان من أروع الكورنيشات في العالم .. الأنهر كانت صافية الماء.. يلعب السمك فيها تحت الأنظار. أين غابة النخل التي غرقت فيها البصرة لقرون ولم تكن تشبهها إلا الغابات المطرية الاستوائية؟ .. هذه بالتأكيد ليست البصرة .. أقصد البصرة التي عبرتها مراراً وكانت تغريني بتمضية يوم وليلة في الأقل وانا في الطريق الى الكويت أو منها، ثم وانا أمضي شهر العسل.
صديق بصري قال ان المحافظة تحت تصرفها ثلاثة مليارات دولار لا تعرف ماذا تفعل بها.. نصف الواحد من هذه المليارات كفيل بالتأكيد بجعل البصرة من جديد جنَّة.
أهذه هي العاصمة الاقتصادية التي يريدون؟ أجادّون هم أم يسخرون من البصرة وأهلها ويريدون أن يجعلوا منها "مضحكة" المدن ومسخرة بين الأمم؟
العاصمة الاقتصادية تعني مقرات للشركات العملاقة وفروعاً للمصارف العالمية ومساكن لرجال المال والأعمال الذين يلعبون بالمليارات كما يعلب مرتاد مقهى بأحجار مسبحته. هل فكروا كيف لواحد من هؤلاء أن يحزم حقائبه من دبي أو المنامة أو الاسكندرية أو بيروت أو ليماسول أو أثينا أو اسطنبول أو فينيسيا أو جنوة أو مونت كارلو أو مومبي، بالسحر الخاص بكل واحدة منها وبالخدمات المذهلة في كل واحدة منها ليجاور القاذورات التي تطفح بها شوارع البصرة ودرابينها؟
يا أهل البصرة، هل تعرفون كم مليون طن من النفط تنتج محافظتكم كل عام؟ هل أبلغوكم بكم مليون طن من النفط يمر بمحافظتكم من المحافظات الاخرى مُصدّراً الى أنحاء المعمورة عبر البحار؟ أتعرفون كم ملياراً من الدولارات حصتكم من هذا النفط؟ من أين لكم هذه القسوة على أنفسكم لتكظموا الغيظ؟ ومن أين لكم هذه القدرة على التحمل لتلزموا الصمت؟ ومن أين لكم هذا الجَلَد العظيم لتقبلوا بالعيش في مدينة جعل منها حكامنا الإسلاميون مزبلة .. مجرد مزبلة؟
اعذروني أيها الاحبة ..لم أجد بصرتكم، بصرتنا، التي أعرف .. مدينتكم أي شيء إلا البصرة.