"لحاف" قنديلة

 

في آخر أيام عمرها اضطرت قنديلة الى كشف سر اعتزازها أمام أبنائها وأحفادها ، بلحافها ، لأنها الوحيدة بين النساء في قريتها احتوى جهاز عرسها على اللحاف ذي اللون الأحمر" نفرين " في وقت كان جهاز العرس ، في يوم اقترانها بزوجها مطلع أربعينات القرن الماضي ، يحتوي سجادة من الصنع المحلي وأغطية صوفية والطشت والإبريق والسلبجة والبريمز النفطي ، مع قدرين نحاسيين ، اما السرير فيكون من جريد النخل والدوشك هو الآخر من الصوف ، يخضع لفحص دقيق قبل الاستخدام ، خشية احتوائه على مايشير الى "عمل" سحر مبيت لبث الكراهية بين الزوجين ، او حرمانهما من انجاب الأطفال .
امتياز قنديلة بامتلاكها اللحاف المصنوع خصيصا لها من قبل اشهر نداف في الولاية ، كان موضع حسد ، وإثارة مشاكل بين العرسان الجدد ، لبروز رغبة لدى الكثير من النساء في الحصول على اللحاف القطني ، والتخلص من الأغطية الصوفية الثقيلة المشبعة برائحة الدخان المنبعث من موقد "المطال والبعرور " ، الرجال اجلوا تلبية الرغبات ، وبعضهم ابدى تذمره واستياءه من حكاية لحاف قنديلة ، ولسان حاله يقول :" المرة المسعدة مو بلحافها بل بحب زوجها " وشعار من هذا النوع من وجهة نظر النساء يعبر عن إفلاس مادي وعاطفي .
أحلام النساء في الحصول على "اللحف القطنية" تبددت بفعل عوامل اقتصادية فرجال "قرية قنديلة" قدرتهم الشرائية لا تتعدى دفع ثمن التتن والشاي والسكر لأسبوع واحد ، وهم ليسوا أصحاب رغبة في اقتناء أشياء كمالية ، واعتادوا على ادخار ما يتبقى من دراهمهم لتغطية نفقات السفر لزيارة المراقد الدينية في المناسبات المعروفة مستصحبين أم الأعيال والأبناء ، والمبيت في "مسافرخانة" ثم التمتع بالنوم ليلة واحدة تحت اللحاف حتى الصباح . 
ما ذكرته قنديلة للأبناء والأحفاد في معرض سردها لحكاية لحافها الشهير أنها كانت تخشى عليه من نظرات الحسد ، والتعرض للسرقة ، فحرصت على ان يكون ملازماً لها حتى في سفراتها مع المرحوم زوجها ، لزيارة الأقارب في المدن والقرى ، فتحملت العتاب واحيانا التجريح لحملها اللحاف في حلها وترحالها، وكأنه حاجة نفيسة لاتقدر بثمن ، من مقتنيات الشيوخ والملوك والباشوات ذوي الثروة المالية الكبيرة ، منهم مالك المسافرخانة صاحب الفضل الكبير في تحقيق حلم النساء في النوم تحت اللحاف بجانب الزوج ليلة واحدة بدرهم واحد.
لحاف قنديله بعد رحيلها انتهى به المطاف لدى البنت الكبرى ، فحظيت بحق الاحتفاظ برمز تاريخي مهم ، لأنه منح سلالة الأسرة شهرة واسعة بين اوساط المعارف والأقارب لتداولهم قصة اللحاف وانتقالها للأجيال اللاحقة ، واثر ذلك انتاب البنت الكبرى الغرور ، وأخذت تتصرف بروح تسلطية مع الآخرين ، وتفرض اراءها ومواقفها حتى على الزوج والأبناء ، وكأنها ارتدت قناع رئيس كتلة نيابية ، يريد تمرير قانون بالقوة يخدم مصالح حزبه ، يهدف الى جعل اللحف القطنية غطاء لجميع العراقيين.