ثقافة الموت المضلل |
قطار الرعب الذي يدهس بعجلاته الحديدية عشرات "المعدان" يوميا لن يتوقف الا بعد الوصول الى محطته الاخيرة ، محطة الابادة الجماعية . ومن نافلة القول التذكير بان قاتل الامس هو قاتل اليوم والمدهوس تحت عجلات الصلب المفخخ هو نفسه مقتول الامس . مع فارق طفيف ان هذا القطار كان بالامس على راس السطوة واليوم انتقل الى الانفاق حيث يغدر ويختل مثل معاوية بن ابي سفيان و نظرائه اللقطاء الطلقاء . ولا لوم على القطار وقائده اذا هرس لحم وعظم عدوه وهو في طريقه ، اللوم كل اللوم يقع على الضحية الذي يذهب بكلتا رجليه الحافيتين جوعا وعوزا ليسير على سكة الموت بحجة زيارة مقامات اهل البيت "عليهم السلام" . واذا كنت التمس عذر الجهل لهؤلاء المطحونين يوميا ، فاي عذر سالتمس للمرجعيات والخطباء الذين تمترسوا في حصون مشيدة من وابل الموت وعجلات القتل الجماعي . اود ان اسمع لواحد منهم توجيها واحدا يحث على لزم البيوت اثناء الزيارات ، مبينا ان هذه الزيارات لا تمت لاصل الدين بصلة وانها ليست من العبادة في شيء ولا حتى من الشعائر التي دعانا الباري عزوجل الى تعظيمها . لا سمعتها بالامس و اظنني لن اسمعها ، وقوافل الموت تسير بارجلها يوميا الى حيث سكين الجزار الحاد ويودع السابق اللاحق . قبل سنتين توالت التهاني والتبريكات على روح شاب ايراني كان قادما لزيارة مرقد الامام الحسين بن علي "عليهما السلام" فاختلط لحمه بحديد السيارة المفخخة قبل ان يبلغ كربلاء بمئة كيلومتر ، وبالكاد عثر ذووه على ما يمكن تجميعه ودفنه في بلاده . اما امواج التهاني والتبريكات التي تحمّل فيسبوك جزءا كبيرا منها فتعود الى ان المرحوم كان قد اعرب عن امله قبل التوجه الى العراق ان يلقى مصيره المحتوم وهو في طريق ابي عبد الله "ع" . اتساءل اي ثقافة منحطة اوصلت شابا او اي مخلوق الى هذا الفهم المدمر الذي يحول الانسان وهو بناء الله الى نعجة ذبح او خروف اضحية تتمنى ساعة موتها من دون ان تمس عدوها حتى بكلمة سوء كاضعف الايمان . اي ثقافة منحطة هذه التي تصور الله رب العالمين وكانه موظف في مؤسسة الشهداء ترسل اليه طلبات الموت الرخيص فيوقعها على استعجال ويحيلها الى عزرائيل مع توصية خاصة بسرعة تنفيذها ؟ هل بعد هذه المهزلة من مهزلة ؟ ثم لماذا كل هذا اللطم والعويل على ارواح من استجاب لهم الله دعوتهم فحشرهم مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ؟ هل ثمة لدينا في تراثنا الاسلامي الرصين " لتفريقه عن الاموي" ما يدعو الى القاء النفس الى التهلكة لضمان الجنة ؟ الا يمثل هذا عجزا فاضحا في مواجهة الحياة والعدو المتربص في كل منعطف . من اسف اقول ان الانتحاري التكفيري اوسع افقا منا لانه لا يقبل ان يموت قبل ان يؤدي مهمته التي يؤمن بها كاملة وهي قتل اكبر عدد من الروافض و ها نحن نساعده في مد رقابنا لسكينه الحادة فنسهل مهمته ما امكننا ذلك . ماذا لو ان مرحومنا الايراني الشاب الذي تمنى الشهادة فنالها كما يزعمون ، تطوع لمواجهة اعدائه فقَتل وقـُتل ، لاستطاع في ذلك ان يوفر حياة الالاف من الابرياء من بعده . لكنه للاسف تقطع اربا اربا واصبح قدوة سيئة لمئات المضللين من امثاله الذين يتمنون في وصياتهم الموت وهم في الطريق الى مرقد الامام من دون ان يهدد بعوضة . اطلعت قبل شهرين على تقرير مرعب يكشف ان اكثر من مئة وخمسين الف عراقي لقوا مصرعهم بسبب زيارات المراقد الدينية بعد سقوط نيرون بغداد . لو صح هذا الرقم فاي هدية يمكن ان تقدم لمحمد عبد الوهاب وزبانيته افضل من هذه الهدية ؟ ترى من يتحمل مسؤولية نشر هذه "الثقافة" الانتحارية البائسة التي تسهل مهمة العدو في ابادتنا جماعيا ؟ انبئوني ان كنتم تعلمون . |