الحوار مع الجماهير

 

ينطلق الحوار بشكله المعتاد من خلال امتلاك نزعة القبول بالآخر عند من يريدون ذلك، ومبدأ الحوار في خصوصية الحاكم والمحكوم عند حدوده الدنيا هو التناقل في الحديث ما بين الجماهير وبين من يتصدون لمسؤولية الحكم في كل بلدان العالم وهذا الامر هو واحد من البديهيات المعمول بها من اجل الوصول الى الحلول المقنعة في طلبات الجماهير خصوصا عندما تكون المطالبات امرا واقعيا خاضعا لبنود الدستور والقوانين الفاعلة في الدولة ايا كانت هذه الدولة ، لأن سمة الحوار عادة ما تكون فاعلة عندما يكون التبادل بالاراء هادئا يخضع لمَلَكَة العقل وتفهّم الاخر .
ما يحصل اليوم في العراق من تظاهرات متتالية ومتسلسلة عبر فترات زمنية أصبحت ظاهرة ملموسة للتعبير عن الرأي بشكل حر ،  حيث نلحظ الجماهير تخرج الى الشارع العراقي في جميع المحافظات العراقية تحاول ان تتحاور مع الدولة بكل اشكالها التنفيذية والتشريعية من اجل الوصول الى حلول في الواقع العراقي الذي يتحول من مشكلة الى اخرى باعتبار ان الجماهير هي من تتلقى كل تلك الصدمات والمشاكل، لذلك فإن خروج التظاهرات ليوم امس السبت 5/10/2013 التي تطالب البرلمان العراقي بالغاء الرواتب التقاعدية تأتي من اجل الحفاظ على مسار الدولة ومؤسساتها بالشكل الصحيح وهي مطالب واقعية عندما تكون تحت سقف الدستور وبعيدة عن التناوش المتأزم في الخطاب الداعي الى ضرب العملية السياسية والغاء التجربة الديمقراطية عند من يحاول الاصطياد بالماء العكر ويستغل تلك الحشود الجماهيرية .
هذه المطالبات في حدودها المعقولة تُرسّخ واقعا رصينا للحرية وروح الديمقراطية الذي يتيح للفرد العراقي ان يطالب ويحاسب أي مسؤول عندما يتجاوز على الحقوق العامة للجماهير، ومطلب الغاء تقاعد البرلمانيين هو واحد من الحقوق الدستورية للشعب باعتبار ان البرلماني منتخب ومكلف بوظيفة وطنية ليمثل حقوق ناخبيه في العتبة الانتخابية المقدرة بمائة الف مواطن ومن المؤكد انه وصل الى البرلمان وكان في وظيفته الاساسية في احدى وزارات الدولة والتي يجب ان يعود اليها بعد انقضاء المدة القانونية لدورته الانتخابية وهو ما يؤسس لأن يكون تقاعده بعد حين من دائرته ووظيفته الأم وليس من خدمة سنواته الاربع التكليفية في البرلمان العراقي وهذا هو المعمول به في كل برلمانات العالم ، أما اذا كان هنالك اعضاء برلمانيين اخرين لا يمتلكون الوظيفة الاخرى غير عضويته في مجلس النواب فمن الواجب على الدولة ان تقوم باقرار قانون تقاعدي له في حال لم يتمكن من العودة الى مقعده البرلماني في الدورة التي تلي فترة وجوده فيها وهو حق قانوني مثل باقي حقوق المواطنين .
يبدو ان البرلمان العراقي غير عازم على ترسيخ لغة الحوار مع الجماهير التي خرجت في الساحات والمدن فكان الاولى بالسادة النواب المحترمين ان يخرجوا الى هؤلاء الجماهير في بغداد والمحافظات العراقية كافة من خلال مكاتبهم في تلك المحافظات فمن المؤكد ان كل نائب او كتلة برلمانية لها مكتب في المحافظة التي يمثلونها ويمكنهم الحوار مع المتظاهرين والوقف عند حدود المطالبات الدستورية وايصال صوتهم الى أقرب جلسة من جلسات البرلمان من اجل مناقشتها وبشكل علني ولو جمعت كل المقترحات الجماهيرية من قبل النواب الممثلين لهم في محافظاتهم وجلس البرلمان لتداولها لأصبحنا اليوم في مصاف الدول المدنية التي تؤمن ايمانا حقيقيا بالديمقراطية ويكون بالفعل الحكم للشعب عبر ممثليهم حتى نقطع الطريق على جميع المتصيدين بالماء العكر ممن يحاولون المساس بوحدة العراق ويريدون زرع الفتنة وتفعيل العنصر الطائفي في اوساط المجتمع العراقي.
صدقوني ايها النواب الاعزاء هذه اللغة هي الوسيلة الوحيدة لإبعاد شبح التأزّم والخراب الذي يمكن ان يصيب العراق بسبب عظم وهول المخططات الخارجية له وكذلك نريد ان يكون دور قواتنا الامنية والعسكرية منشغلا بردع الارهاب والحفاظ على حدود العراق ولا يكون شغله في اوساط الجماهير تارة يحافظ عليهم وعلى سلميتهم من سوء المفخخات وتارة اخرى يقف بوجه من يريد استغلال الجماهير والركوب على الموجة السياسية ليصل الى اهدافه الشريرة والعودة بنا الى مربع الفراغ الاسود الذي عشناه لعقود من الزمن .