أم قصر تزدان بفنارها الملاحي |
ربما كان استحقاق (أم قصر) أن تكون أماً رءوماً لكل القصور والأبراج التي ظهرت إلى الوجود بعد ولادتها على شواطئ الخليج العربي, فهي الأقدم والأعرق والأكبر, وهي جارة (الزبير) مدينة الخير, وشقيقة (أم الرصاص) التي قتلها الرصاص, وتوأم (أبو الخصيب) الذي فقد خصوبته, وهي فوق ذلك كله من أروع الأمهات المينائيات المتنائيات, اللائي صمدن بوجه الهجمات الصاروخية العنيفة. . ظلت أم قصر تعيش حتى يومنا هذا بين نقيضين, بين ذاريات حفر الباطن ورماله اللافحة, وبين تقلبات البحر ورطوبته الخانقة, اما المنغص الثالث فكانت تشققات طريقها اليتيم الذي يربطها بمدينة البصرة. .
ولدت أم قصر قبل ولادة الموانئ العربية الحديثة في حوض الخليج, وولدت معها عشرات الفنارات الملاحية الصغيرة, التي كانت تنير الأخوار البحرية المؤدية إليها عبر خور الخفقة, فخور عبد الله, فخور وربة, فخور الشيطانة, فخور السقّة, فخور بحرة, مروراً بخور الصبّية, وتنتهي الرحلة عند مقتربات جزيرة (حچام Hacham), بينما يقع خور الثعالب شمالي الميناء العتيق, ليتمدد نحو مرفأ خور الزبير ويتصل من هناك بشط البصرة, ثم يقودنا هذا الشط المستقيم الضيق إلى ترعة (كرمة علي), التي تنقلنا مباشرة إلى شط العرب. . HYPERLINK "http://www.youtube.com/watch?v=invvxE4sB4c" http://www.youtube.com/watch?v=invvxE4sB4c اقترن اسم أرصفة (أم قصر) منذ ستينيات القرن الماضي بالموانئ الغربية والشرقية, وتعاملت منذ عقود مع كبريات خطوط الشحن البحري, بيد إنها اقترنت مؤخراً بورشة العمل المقامة في ميناء روتردام, وكانت على موعد مع مشاريع التجديد والتطوير الالكتروني, التي تحتاجها الموانئ العراقية لترتقي من خلالها إلى المستوى الدولي المتقدم, ولتؤثث ممراتها الملاحية بمنظومات السيطرة الملاحية, المعبر عنها بالأحرف (VTMS), ومنظومة التعريف الآلي للسفن القادمة والمغادرة, المعبر عنها بالأحرف (AIS), ومنظومة التعقب الالكتروني الألزامي, المعبر عنها بالأحرف (LRIT), وتقنيات تزويد السفن بتقلبات الأنواء الجوية في عرض البحر (NAVTETAX), على أمل أن تتجمع المنظومات كلها في فنار ملاحي يشرأب بعنقه المطرز بالمتحسسات والرادارات, ليرصد تحركات السفن الماخرة في المياه الإقليمية العراقية, فتستدل عليه من مسافات بعيدة, وتهتدي نحو بر الأمان بأنواره المشرقة الساطعة. .
كانت لشركة (بصرة ماس) اللمسات المعمارية المدهشة في تنفيذ هيكل البرج وملحقاته, وفي تنفيذ المكونات والمقاطع, التي باشرت في تنفيذها منذ منتصف الشهر العاشر من عام 2011, في موقع يوتسط المسافة بين الأرصفة القديمة والأرصفة الجديدة, وعلى وجه التحديد عند المساحة المتروكة خلف رصيف الصومعة, وسيكون البرج بارتفاع (47) متراً فوق سطح البحر, وهو الارتفاع الكلي الذي ستضاف إليه الرادارات والهوائيات والمتحسسات الالكترونية, ومعها الفانوس الملاحي الكبير, ومن المؤمل أكمال المشروع والمباشرة بتشغيله من قبل سلطة الموانئ العراقية في نهاية العام الحالي 2013, وسيكون موقعه مثبتاً حينذاك بخطوط الطول والعرض في الخرائط البحرية الأدميرالية. . عُرف مدير شركة (بصرة ماس) رئيس المهندسين (علي خريبط) بروحة الوطنية العالية, وحرصه الشديد على تنفيذ المشاريع المعمارية التراثية والملاحية, التي تعكس هوية البصرة ونكهتها, وتعبر عن دورها التجاري المتميز في التاريخ القديم والحديث. . يقول المدير التنفيذي للمشروع المهندس (مصطفى عبد الصمد بندر): ان المساحة الكلية للمشروع تقدر بنحو (3500) متراً مربعاً, اما المساحة التي سيقام عليها HYPERLINK "http://www.youtube.com/watch?v=invvxE4sB4c" برج الفنار والمباني الملحقة فتقدر بنحو (550) متراً مربعاً, وسيبلغ ارتفاع الفنار (11) طابقاً, مجهزة بمصعد كهربائي يتسع لحوالي ثمانية أشخاص, وحمولة وزنية تقدر بنحو (840) كيلوغرام, وستكون غرفة السيطرة الزجاجية في أعلى البرج, ثم تأتي فوقها المعدات الملاحية والمتحسسات الالكترونية. . يتألف المبني القريب من برج الفنار من القواطع الفنية والإدارية والتشغيلية, وقواطع أجهزة الحواسيب التخصصية, ومعدات الاتصالات اللاسلكية, وورشة إصلاح الأعطال الالكترونية الطارئة, ومخازن تخصصية, ومطعم وطبخ, وقاعة اجتماعات, وغرف التبريد والتهوية, والمولدات الكهربائية, واللوندري, وغرف المنام للعاملين في محطة السيطرة الساحلية المرتبطة بالبرج, ستُجهز محطة المراقبة والسيطرة بمنظومات الكترونية مطابقة لأحدث التقنيات البحرية العالمية. لقد كانت اللجان الفنية, التي شكلتها سلطة الموانئ العراقية بموجب الأمر الإداري (23421) منشغلة منذ بداية تشكيلها في 14 /نوفمبر/2011 بدراسة المردودات الايجابية لتطبيقات تقنيات السيطرة والمراقبة لتحركات السفن, فعقدت سلسلة من الاجتماعات بمشاركة كبار المهندسين الالكترونيين وكبار الملاحين, ووضعت توصياتها بخصوص تبني نظام التعريف الآلي بمرحلته الأولى الابتدائية. .
وفي هذا الاتجاه نفسه بادرت الموانئ العراقية إلى إرسال نخبة من الملاحين والمرشدين البحريين إلى الموانئ التركية للتدريب على تشغيل منظومات التعريف التلقائي للسفن, وأشركتهم في المؤتمر المقام بمدينة سان جرمان الفرنسية حول نظام خدمة حركة مرور السفن والوحدات البحرية العائمة, وكان على رأس الوفد الربان (سعود عبد السلام السعود), والمرشد البحري (بدر رمضان مايع), ومهندس الاتصالات الأقدم (صبحي ناصر حزام). . من المتوقع أن تنهض الموانئ العراقية بإعداد وتهيئة الاختصاصيين الذين سيكلفون بإدارة وتشغيل المنظومات الالكترونية, ومن المؤمل أن تمضي الموانئ قدماً في تنفيذ مشاريع السيطرة الملاحية الالكترونية, وتسعى للتعاقد على تجهيز البرج والفنار بالرادارات الملاحية العملاقة المخصصة للرصد والمراقبة, والرادارات الساحلية اللازمة لتسجيل البيانات ومتابعة تحركات السفن والزوارق بمعدل 24 ساعة باليوم, وربما تأخذ الموانئ بنظر الاعتبار تنفيذ مشروع التعقب البعيد المدى (LRIT), الذي انتهت شعبة المشاريع من إعداده بالتعاون مع شعبة التطوير البحري, وربما يكون برج المراقبة من ضمن الهياكل المكملة لعمل منظومات البحث والإنقاذ البحري عبر الأقمار الصناعية, سيما إن التأخير في تنفيذ هذه الخطوة الرائدة سيعطي موانئ البلدان المجاورة فرصة الاستحواذ على الأنشطة الرئيسة للبحث والإنقاذ, وبالتالي يكون العراق من البلدان المتفرعة من الشبكة الإقليمية لحوض الخليج العربي. . من المفيد أن نذكر ان الموانئ العراقية اشتركت مؤخرا في ورشة العمل المفتوحة في ميناء روتردام, واتفقت مع هيئة السلامة البحرية الدانمركية لتدريب وتأهيل العراقيين على إدارة وتشغيل منظومات السيطرة والمراقبة الملاحية بمنحة دانمركية مجانية, تقدر بنحو (800) ألف يورو, خصصتها الدانمارك لهذا الغرض وصادقت عليها وزارة خارجيتها. . اقتربت الآن شركة (بصرة ماس) من المراحل النهائية في تنفيذ مكونات البناية والبرج الملاحي المرتبط بها, وستتزين سواحل ام قصر بهذا الصرح الملاحي الكبير, الذي سيضفي عليها لمسات حضارية, لكنها تبقى مطالبة بإكمال خطواتها المعمارية المباركة, التي باشرت بها هنا حتى تتكامل وظائف البرج الملاحية والرقابية والإرشادية, وذلك بالتنسيق مع الموانئ العراقية لتثبيت ونصب الأجهزة والمعدات والمنظومات الالكترونية والملاحية, ولابد من قيامها باختيار (الفانوس) الملاحي العملاق, وتحديد زاويته وعدد ومضاته ومداه المرئي فوق سطح البحر بموجب التوصيفات التي أقرتها المنظمة العالمية للفنارات الملاحية (IALA). .
|