هل هو حكم اوليغارشية طائفية ؟

 

مرت عشر سنوات على سقوط الدكتاتور، و يكاد اوسع المراقبين و المحللين يتفقون على ان حالة البلاد تتردّى و يتزايد الميل فيها الى الانفراد بالحكم من قبل فرد هو القائد العام الذي يجمع بيده مجلس الوزراء و مختلف الاجهزة العسكرية و القمعية و الإعلامية و السياسية الداخلية و الخارجية، من خلال حزب حاكم و كتلة برلمانية مؤتلفة بضغوط ايرانية ـ اميركية في حقل تتفق دوائر عليا من الطرفين عليه لحد الآن ، و بذلك ضمنتا بقائه على كرسيه . .
في وقت يتغيّر فيه حزب الدعوة الحاكم و مراكز القوى فيه بأستمرار ـ فهو لم يعدْ يشبه حزب الدعوة المناضل ضد الدكتاتورية وفق متخصصين عائدين له و محسوبين عليه (1) ـ ، و رغم تغيّر مواقف كتل الائتلاف، الاّ انها لم تخرج عن صالحه رغم تصريحات ممثليها الناقدة و المهاجمة لسياسته ـ بسبب سكوت دوائره عن فساد اعضاء بارزين فيها، وفق مراقبين قريبين ـ رغم المعاناة الشعبية المتّسعة بسبب تزايد انعدام الأمن و الصراع الطائفي و تقنين الحريات . . . التي تتسبب بتزايد الفعاليات الشعبية المطالبة و المنددة .
و يرى كثير من المراقبين ان البلاد شهدت تغييرات و حكم يختلف عن حكم الدكتاتورية السابقة التي وصلت الى طريق مسدود و صار لايمكن لها ان تواصل الحكم الاّ بالحديد و تسعير النيران و الحروب، بعد ان انفضحت اساليبها و راح مئات الالوف نساءً و رجالاً، ضحايا لجرائمها . و كان لابد من مجئ حكم جديد اثر اسقاطها بالحرب، حكم يفتح آفاقاً و آمالاً للشعب و يحقق له مكتسبات و درجة من رفاه تعوّضه عمّا فقده و ابتلى به، رغم انّه لايُعَوّض بسهولة . .
و ذلك ما بدأ يتحقق و لكن باثمان غالية اخذت تزداد ارتفاعاً حتى فاقت مايحصل عليه الشعب، و صارت تهدد بعودة القمع و عودة كبار رجاله السابقين، و عودة الحكم الفردي، تحت واجهات دستورية . . . واجهات صار يجرى التضييق حتى عليها بدلاً من اطلاق الحياة الدستورية اكثر و السعي لكسب الدولة للشعب بأنواع اطيافه الدينية و المذهبية و القومية، للدفاع عنها و لإعادة بنائها .
من ناحية اخرى، لابد من التذكير بمالعبته الحرب و اعلان الإحتلال و بناء الدولة على اساس المحاصصة الطائفية التي استفزت انواع القوى في البلاد و في المنطقة، و جرّت الى تدخلات منظمات القاعدة الإرهابية و قيامها بعملياتها الارهابية البشعة . . و قد لعبت كلّ تلك الصراعات ادواراً متنوعة في تحويل الصراع الاساسي، من صراع من اجل التحرر و التقدّم الى صراع ميليشيات طائفية اوقعت الخسائر بارواح و ممتلكات مئات آلاف العراقيين المدنيين رجالاً و نساءً اثر العمليات الإرهابية التي استهدفتهم و لم تستهدف قوات الإحتلال كما كانت تعلن بياناتهم المنافقة . . حتى صار الصراع : صراعاً ايرانياً بجلباب (شيعي)، و سعودي تركي قطري بجلباب (سنيّ)، للسيطرة على البلاد مباشرة او اقتصادياً سياسياً، بل حتى تقسيمها.
في تلك الأجواء التي سادها صراع الميليشيات الدموي الإيراني ـ الخليجي، و اثر غياب الطبقات و الفئات الوسطى و محاربة الثقافة و الفنون على ارضية من تواصل شيوع الأمية و اهمال التعليم و المهن التربوية، تواصل هروب و هجرة العقول و الكفاءات العلمية و اهمال اعادة الكفاءات من الخارج، الى تراجع العراق في اولويات السياسة الاميركية(2) . . و غيرها.
تواصلت فئات بالنمو و التكائر المُحدّد بالهوية الطائفية (سنيّ، شيعي، مصلحي بهوية منها . .) مدعومة او متزاوجة مع كيانات متنفذة او وسيطة لها لتأمين استقوائها مالياً و عسكرياً و سياسياً باحدى الدول الإقليمية ـ او باحدى الإحتكارات الدولية ـ، و هذه الفئات تكون في العادة بعيدة عن الضوء و ذات خبرة، تتجمّع و تتكوّن على اساس العائلة و الإيمان بشفيع دنيوي او ديني، و باتّباعها قساوة و شراسة ليلاً و (مرونة) و لاأبالية نهاراً. . حتى تمكّنت من امتلاك مواقع شبه مستقرة لها سواء في الدولة و مؤسساتها المالية و الإستثمارية او في القوات المسلحة و الاجهزة الخاصة و الميليشيات بأنواعها ـ في مواقع اوامرية ـ او في السوق السوداء المترابطة عالمياً . .
و بتقدير متخصصين فإن تلك الفئات تعود لعوائل محددة ترتبط بوحدة الدم و بمفاهيم الشرف العائلي كما تصوغها هي في بلد نامي يتصاعد فيه دور العائلة و العشيرة، بعد ان حُلّت الدولة و اجهزتها العارفة و المجرّبة، و حَلْ و ارتباك دور قوات الشرطة و مكافحة الإجرام . . حيث لجأت الناس الى العشيرة، لتعود العشيرة الى مراكز الحكم بأشكال و صيغ متنوعة، و يصير حكم العوائل (الاوليغارشية) (3) الذي يتجذّر عملياً في البلاد منذ عشر سنوات، بالنهب و الخداع و انواع التهديدات و الافعال الميليشياوية الطائفية .
و فيما تحافظ هذه الفئات على سلوك يحظى بدعم دوائر ايرانية و اميركية و غيرها في آن
يرى متابعون، ان هذه الفئات و العوائل ـ العشائر ـ التي تحمي ذويها و اقاربها حتى و لو كانوا من المسيئين و الفاسدين و كبار السرّاق و المطاردين من الحكومة و من الاجهزة الأمنية العالمية ـ كالدوري، الجبوري، و غيرهم العشرات من رؤوس الارهاب السنيّ و الشيعي و المتقلبون عليهما ـ صارت بالأخير هي المسيطرة عملياً على العملية السياسية بمنطق المال، القوة، الدبلوماسية و تحقيق التفوّق و الطرائق الدينية المغلقة التي منها التصوّف، في اثبات على ان هجرة رؤوس الاموال و عبورها حدود الدول دون استئذان في زمان العولمة، ليس مقتصراً عليها لوحدها . . وفق تقارير صحفية دولية محايدة متواصلة (4).
و على ذلك فإن من يراهن على التفاهم الإيراني الأميركي بكونه يكفي لوحده في حل المشكلة العراقية واهم . . لأن العلّة الأساسية فيها هي نظام المحاصصة الطائفية و غياب حكم وطني اتحادي برلماني حقيقي قائم على برنامج وطني عراقي عابر للطوائف يحقق للعراق هويته العراقية على اساس الانتماء للوطن بعيداً عن الهويات الثانية.
في وقت ينبّه فيه مراقبون حريصون من مخاطر اعادة بعثيين عرفوا بمواقفهم و ادوارهم المعادية للشعب و للحريات، الى وظائفهم في دوائر امنية و عسكرية حساسة و يحذّرون من مخاطر الانزلاق الى مصافحة البعثيين بحجة الحاجة الى كسب تأييدهم لتهدئة الاوضاع بسبب تزايد المطالبات الشعبية، بدلاً من السعي لإيجاد حلول لها من جهة، و من جهة اخرى لضمان تأييدهم لرئاسته سواء بخطوة لإلغاء تقاعد الزعيم عبد الكريم قاسم كشهيد من شهداء الحرية و البعث سئ الصيت، التي يمكن ان تجرّ الى الغاء التعويضات عن انقلاب شباط 1963 الدموي، و اعادة الاعتبار للانقلاب بحجة تحالف حزب الدعوة آنذاك مع البعث لاسقاط حكم 14 تموز بدعم اميركي ـ وفق تصريحات قادة و كوادر متقدمة سابقة فيه ـ .
ahmedlada@gmx.net
7 / 10 / 2013 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ( وانه لم يعد حزب دعاة و انما منتفعين في مكاتب و يتوضح ذلك في تقرير المؤتمر الإنتخابي الأخير الذي انتهى بتجديد الثقة بالمالكي اميناً عاماً للحزب، و نشر ذلك في بيان مقتضب لايشبه بيانات مؤتمرات الدعاة، اكتفى بذكر الطريقة التي فاز فيها المالكي . . ) ، راجع : "المالكي ضد الدعوة والدعوة مع المالكي" علي السراي / جريدة العالم / الخميس 3/10/2013 .
2. بسبب خسائر الإحتكارات الأميركية في حرب العراق، ثبات استثمار الكميات الهائلة من الغاز الصخري و دخوله عالم الطاقة في الولايات المتحدة، الذي جعلها احدى اكبر الدول المصدّرة للغاز الصخري و الطاقة في العالم.
3. الاوليغارشية . . حكم الاقلية، حكم عدد محدود من العوائل التي تمتلك القوة و السلاح، المال، النسب، و تشترك في مشروع مصيري واحد . . ديني، مذهبي، مالي، مُلكية بلد او مُلكيّة اهم اراضيه و مشاريعه. و في العادة تكون متزاوجة بينها.
4. كالتقارير المهتمة بـ (وَقْفْ القدس) المسجّل رسمياً باسم الاخ الشقيق للمرشد الأعلى السيد خامنئي، احتكارات عوائل : بوش و جيني و محامي العائلة بيكر، كندي، كيسنجر، نيكسون، عائلة ريغان و محاميها رامزي كلارك و غيرها . . و هي باللغات الإنكليزية و الألمانية .