دكاترة عاطلون!

 

السياسي العراقي الشيعي المتهم بالعمالة لإيران، هو في الحقيقة ليس عميلا إلا لنفسه، وإذا كان عميلا حقاً قبل عام 2003 فإنه تجاوز بعدها كل الولاءات – الاقليمية منها والوطنية – وصار وفيا لنفسه ونهمته تجاه جمع الثروة. 

وبعيدا عن سياسة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، خلال فترة إدارته لدفة الحكم، بمزيد من التشدد ضد الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وعودة بعض مظاهر التطرف ضد المرأة، وسياسته النفطية الفاشلة وتردي الوضع الاقتصادي وانهيار العملة وسوء إدارة الملف النووي، عدا مفرقعاته الشهيرة من أجل استهلاك المشاعر الشعبية ضد "الشيطان الأكبر" واسرائيل تحديدا، واحتمال تورطه في العراق وسوريا، لنقتفي أثر السيد نجاد بعد انتهاء ولايته لنرى إن كان قد انتقل من منزله الرخيص إلى فيلا كبيرة وفاخرة استولى على أرضها بحيلة قانونية عن طريق شرائها بالسعر الرمزي البخس للبلدية، أو ملأ البنوك السويسرية بالأموال الطائلة أو حصل على سيارات فخمة سعر الواحدة منها تجاوز الـ 120 ألف دولار أو أجرى عملية استئصال لبواسيره بأكثر من 50 ألف دولار، أو استغل نفوذه لتحقيق مصالح شخصية أو اشترى بأموال شعبه فنادق ضخمة وملاعب رياضية؟

الحال هنا لا يعنى بتقييم شخص اسمه نجاد بقدر اعتنائه بعقد مقارنة بينه وبين السياسي العراقي الشيعي الذي من المفترض أن يكون أخوه في الدين والمذهب، هذا السياسي الذي طالما اتهم بأخذ أوامره من طهران وتحديدا من هذا الرجل الذي يمثل لسان حال خامنئي ومحل أفعاله وثقته. فما ان انتهت ولايته التي استمرت من آب 2005 وانتهت في حزيران 2013 حتى ترك الرجل كرسي الحكم وغادر القصر الرئاسي إلى شقته الصغيرة وصار الناس بعد فترة قصيرة يرونه راكبا الباص ومتجها إلى عمله السابق كمدرس جامعي في إحدى الجامعات الإيرانية، بالسترة نفسها التي كادت أن تتهرأ عليه لولا إن ثمة من أقنعه بضرورة التخلي عنها وارتداء السترات الأنيقة تماشيا مع كونه رئيسا للبلاد!

الدكاترة من أهل السياسة لدينا كثر وأغلبهم متكلمون ودائما ما يسبق حرف الدال أسماءهم في ملصقات الدعاية الانتخابية، وربما يستاء بعضهم إذا ما عُرّي من الدال الدالة على دكتوريته أو استاذيته، لكنهم بالطبع لن يفكروا، في هذا الوقت بالذات، في جعل خواتيم أعمالهم على النحو الذي انتهى إليه السيد نجاد، ليكون ذلك كفارة عما اقترفوه من تقصير بحق شعبهم وتلافيا للملامة على فشلهم الذي لن يجرؤ أحدهم على الاعتراف به. 

لا شك أن لدينا الآن حزمة كبيرة جدا من الأفكار التي تعشش في رؤوس دكاترة السياسة. فكرة تلحس فكرة، وفكرة تمشط شعر الأخرى أو تسندها بفكرة أجدى نفعا تشغل فترة ما بعد التقاعد واعتزال الحياة السياسية، حتى إذا انتهى مفعول القسم لذي أداه النائب والوزير والمسؤول السياسي، راح يتحسس جواز سفره الأجنبي ليطير بعدها إلى بلده الثاني، حيث سينعم هناك بالمزيد من الاسترخاء وهو يفكر ويخطط لكي لا تتعفن أمواله ويذهب ريحها!