لعبة الميزانية الأمريكية: شركاء بالغلَّة..!

 

لمن لم يفهم قصة إغلاق الحكومة الأمريكية نشاطات مؤسساتها الإتحادية، والتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين الأمريكان، بسبب عدم إقرار الكونغرس الأمريكي للميزانية السنوية؛ نختصرها هنا، ففي تقديمنا لهذا المختصر، ما يفيد في إيضاح طريقة التفكير الأمريكي..!

  ولن يكون بإمكاننا تقديم القصة، قبل أن نبين أن نظام الحكم عندهم، قائم على ثنائية توزيع القوة والأدوار؛ سلطة الحكومة التي يرأسها الرئيس نفسه، قبالتها سلطة الكونغرس بمجلسيه، حزبين رئيسيين يهيمنان على الساحة السياسية؛ هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري..

وفي التاريخ الأمريكي السياسي، ثمة مفارقة تستدعي الوقوف عندها تأملا؛ غالبا ما يكون الرئيس الأمريكي من حزب لا يهيمن على الكونغرس..! فالأمريكان وزعوا مفاتيح قرارهم على هذه الطريقة، حتى لا يتفرعن حزب أو رئيس، وحتى لا يأتي زمن عليهم يبقى فيه رئيس أو حزب، أكثر مما يريدون؛ وتذكروا أنهم إختصروا طريق القرار وسلطته، وتخلصوا من (الجر والعر)، فهم ليسوا بحاجة الى رئيس جمهورية أو رئيس وزراء، لديهم رئيس واحد يجمع السلطتين عنوانه رئيس الإتحاد..!

  راهنا: الرئيس الأمريكي أوباما ينتمي الى الحزب الديمقراطي، والكونغرس يهيمن عليه الجمهوريين؛ وأطروحة الرئيس الأمريكي ومعه الديمقراطيين، تتحدث عن كسب المواطن الأمريكي الى صفهم، بتقديم الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم؛ وبديهي أن هذا يستدعي زيادة الأنفاق، ويصطدم ذلك بعجز الموازنة؛ فلجأ الرئيس الى زيادة الضرائب في الميزانية لتغطية العجز، وهو يعلم أن الشعب يقبل ذلك ولكن بحدوده الدنيا..

  الجمهوريون المهيمنون على الكونغرس؛ وجدوا أن زيادة الضرائب سترهق كاهل ناخبيهم، وهم بنفس الوقت، لا يرغبون بخفض الإنفاق في قطاعي الصحة والتعليم على وجه الخصوص، فهذين القطاعين يعتبران الأهم في حياة الشعب الأمريكي وكل الشعوب، عدا الشعب العراقي..!

  الجمهوريون أكتشفوا لعبة أوباما، فهم يعرفون أن الميزانية تكتنف على عجز كبير، يسعى الرئيس الى تغطيته بزيادة الضرائب، وسيضطر أيضا الى تقليل الإنفاق على القطاعين المذكورين؛ فحصروه في زاوية الحلبة، وأنهالوا عليه باللكمات! وفي نهاية المطاف؛ ردوا إليه ميزانيته مطالبين بتقليل الضرائب وتقديم الخدمات في آن واحد..

  النتيجة: أن هذه الأزمة باتت لها إنعكاساتها العالمية، فأمريكا أكبر منفق في الكرة الأرضية، وحينما توقفت الحكومة الأمريكية عن الإنفاق، تراجع سعر الدولار أمام العملات الصعبة الأخرى، وتراجعت أسعار السلع في العالم؛ ولهذا ستصدر الولايات المتحدة سلعا أكثر، وسينتعش السوق الأمريكي، وسينفق العالم أموالا أكثر لشراء السلع الأمريكية، وستهبط إحتياطات الدول النقدية من الدولار، وستعود أزمة الميزانية الأمريكية بفوائد كبرى على بلد الأزمة، وستمول الحكومة الأمريكية ميزانيتها على راحتها!..

ولذلك لم يتظاهر الأمريكيون على عدم إقرار الميزانية، ولم يعتصموا في ساحات إعتصام، ولم ينهض قس أو رجل دين ليحرض ممتشقا سيفا، فهم جميعا شركاء في اللعبة، شركاء بالنتيجة، شركاء بالغلَّة..!

كلام قبل السلام: احفر بئرا وَطُمَّ بئرا ولا تُعَطِّلْ أجيرا..!

 

سلام..