أثبتوا لنا بأنكم أفضل من البعثيين !

 

 

 

 

 

 

إذا كان عزاؤنا الوحيد من كل التغييرات الدراماتيكية ، التي حصلت من جراء الغزو الأمريكي للعراق ، يكمن في ذهاب النظام السابق وأقطابه و أعوانه ومعه حزب البعث النازي سوية ، إلى قمامة التاريخ و إلى فوهة الجحيم ..

إلا أنه ليس هناك ثمة ما يدفعنا إلى الأفراح و المسرات و التبجح والافتخار والاعتزاز بالبديل الحالي الموجود ، والعاجز و العقيم و المشغول فقط ، بالنهب و بعقلية التسلط و التآمر و الفرهدة !!..

ومن هنا بات ممجوجا ومملا ومضجرا حقا ، جعل من البعثيين في كل شأن صغير أو كبير مشجبا لتعليق عليهم كل الممارسات الشاذة الحالية ، من التقاتل الفئوي والطائفي ، من أجل السلطة والمناصب و المغانم ، إلى تهريب النفط ، إلى عدم الاكتراث بمعاناة المواطنين ، إلى التلكؤ في مسار عمليات الأعمار و البناء ، إلى استمرارية تدهور مستوى الخدمات العامة ، إلى الانتشار المريع لسرطان الفساد الإداري و المالي و السياسي في عموم جسد المجتمع العراقي ، وبين فئات وشرائح الطبقة السياسية المهيمنة والمتنفذة ، إلى تحويل المال العام العراقي إلى غنيمة سهلة لنهب و سلب لكل مَن هب و دب من حرامية العراق و العالم ، إلى سيطرة العقلية الغيبية و العدمية الدينية على الشارع العراقي ، إلى توسيع مساحات التجهيل والتعمية الفكرية والمنطقية في أوساط و شرائح و فئات شعبية كبيرة جدا ، وهي لا تني تتوسع يوما بعد يوم ، بشكل يهدد كل الإنجازات الفكرية والإبداعية و الحضارية التي أبدعها المجتمع العراقي على مر القرون ، بالتشويهات الروحية و العقلية الخطيرة المؤدية قهقرة نحو الجاهلية الجديدة ، بهدف تحويل هذا المجتمع الذي ــــ يقال أنه أبن حضارة عمرها سبعة ألاف سنة ـــ نقول بهدف المجتمع إلى أناس بدائيين من قردة مدجنة ومخدرة بحقن الفكر الغيبي و التجهيلي والتوحش المنفلت أمنيا ، لكي تتراقص و تتقافز حول نفسها ، كلما سمعت صفيرا منطلقا من جوف أحد الأصنام الكاريكاتورية " المقدسة " والمضحكة !! ، , ذلك

في أكبر عملية تشويه و تخريب تاريخية ، تجري ضد العقل العراقي ، الذي كان دوما متنورا و متفتحا على كل ثقافات العالم قراءة وإطلاعا وإسهاما وإبداعا ، كان يُشهد له بالبنان !..

بدلا من تنكب المشاجب البعثية :

كان ينبغي محاربة البعثيين و اجتثاثهم من أفكار ووعي الناس و من ذاكرتهم ، و ذلك من خلال الأفعال و الأعمال و الإنجازات الكثيرة و العديدة التي كانت يجب أن تتم و تحدث ، و في كل المجالات و الميادين ، وكذلك ــ وخاصة ــ من خلال تحقيق الأمن و ألأمان ، وتحسين مستوى الحياة المعيشية للناس نحو الأفضل ، وعلى نسبة معينة من الرفاهية ، كون بلدهم يعد غنيا بشكل مفرط بالثروات النفطية الهائلة ، ومن ثم توفير أرقى الخدمات من كهرباء دائمة التدفق والوفرة ، ومن ماء عذب وطيب للشرب والطبخ و الغسيل والاستحمام ، وبناء و تشييد دور سكن لائقة و حضارية ، وتحديث المستشفيات وتطويرها بأكثر التقنيات و الأجهزة الطبية تطورا و تقدما ، وكان ينبغي جذب و رعاية وحماية و تشجيع العقول العلمية و الثقافية والأكاديمية و الاختصاصية المحترفة ماديا و معنويا ، وتوفير كل ما تحتاجه الجامعات العراقية من أجهزة حديثة و أساتذة من ذوي اختصاصات علمية راقية واعتبارهم ثروة وطنية لا تعوض ، والقضاء الكامل على البطالة من خلال توفير فرص العمل ، لكل عراقي لديه رغبة في العمل و الإنتاج ، وتكوين شبكات رعاية اجتماعية لحماية ملايين من الأطفال المشردين أو الأيتام ، إضافة إلى ملايين أخرى من الأرامل و المطلقات اللواتي بقين بلا معيل أو معين ، بهدف ضمان كل مستلزمات العيش الشريف و الكريم لهم و لعموم المجتمع العراقي ..

إذن فمن خلال هذه الإنجازات ــ لو تمت بالفعل ــ لكان من الممكن مسح ذاكرة أغلب العراقيين من وجود البعثيين العفالقة ، ومن أفكارهم النازية ، ودفع غالبية العراقيين إلى لعنهم ونبذهم واحتقارهم مرة واحدة وإلى الأبد ..

غير أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث ، و أن تم ولكم بشكل هزيل وعلى نطاق ضيق ، بهدف التضليل و الضحك على الذقون وتقديم الفتات والفضلات للشعب العراقي من ثرواته الزاخرة و الهائلة !..

أما أن يجري تعليق أسمال كل هذا العجز و الشللية والتفرج السلبي و عدم الاكتراث و الفشل الذريع في إدارة شؤون الحكومة و الدولة على المشاجب البعثية ، وثم ترك الأمور تنفلت من عقالها نحو أسوأ و أسوأ باتجاه الجحيم ، والاكتفاء بتوجيه الشتائم و اللعنات إلى البعثيين وتحميلهم مسئولية و أسباب كل شيء سلبي و مأساوي يحدث في العراق ، فأليس أن كل هذا يعني إعطاء ورقة البراءة للأحزاب و التنظيمات و الساسة و الزعماء الداخلين في " العملية السياسية " أو معارضيها ، ومن ثم تبرئتهم من كل الممارسات و الأخطاء الكارثية التي ارتكبوها في العراق منذ سقوط النظام السابق و حتى الآن ؟؟! .

نحن نعرف جيدا وكما يعرف أغلب العراقيين أن البعثيين العفالقة بشكل عام ، و الجناح الصدامي بشكل خاص ، قد لعبوا و لا زالوا يلعبون ، و بتحالف وثيق مع جزاري " القاعدة " دورا إجراميا يوميا و متواصلا في عدم استتباب الأمن و الاستقرار وتعطيل كل المحاولات والإمكانيات التي جرت ، من أجل إعادة البناء والتعمير وتحسين الأوضاع في العراق ..

ولكن السؤال الملح هنا هو :

ــ مــَن أعطى البعثيين العفالقة ، كل هذه الفرص و المجالات ؟؟! ، ومن تواطأ معهم و غض النظر عن جرائمهم و عن نشاطاتهم الإجرامية اليومية ؟؟! ، ومــَن ترك الأمور منفلتة أمامهم ليستغلونها بكل نذالتهم المعروفة ؟؟! ..

بل وبصفوف مَن اندسوا بكثرة كاثرة ولماذا ؟؟! ..

و مـَن انهمك بعمليات النهب و السرقة و دخل في كواليس التآمر والمؤامرات و المساومات والتوافقات الفئوية ، ومن ثم دخل حلبة الصراع الدموي على السلطة ، تاركا البعثيين يجمعون صفوفهم و ينمّون قوتهم ليواصلوا نشاطاتهم التخريبية اليومية ؟؟! ..

لولا هذا التواطؤ من قبل أحزاب ما تسمى ب"العملية السياسية " على إدامة الفوضى الأمنية الدموية وتوالي الكوارث والانشغال بالصراع على السلطة و الامتيازات ، وعدم مواجهة الإرهاب بجدية كاملة ونوايا حسنة و صادقة ، لما استطاع البعثيون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم بين صفوف المجتمع العراقي الذي عانى منهم الأمّرين ، ولانتهوا منبوذين ومحتقرين ، تماما مثل النازيين بعد انهيار النظام الهتلري في ألمانيا ، و بعدما حكمها رجال دولة محترمين ومخلصين لمبادئهم ولمسئوليتهم الوطنية ، فشيدوا دولة متقدمة ومزدهرة صناعيا و اقتصاديا ، وأسسوا مجتمعا مدنيا متحضرا ، يثيران حسد العديد من الشعوب و الأقوام ..

علما أن غالبية الأمان كانوا أعضاء في الحزب النازي الألماني أبان الحكم الهتلري !..

و رجوعا إلى عنوان مقالنا نود التأكيد على أنه ينبغي للأحزاب و التنظيمات و الساسة و الزعماء العراقيين و مَن يطبل لهم ، أن يثبتوا بأنهم أفضل من البعثيين على صعيد مفاهيم تالية :

عقلية ، و نمط تفكير ، وسلوكا ، و ممارسة ، ونزاهة ، و ديمقراطية و سلطة ، ومسئولية ، و حرصا وأمانة ، و أكثر قربا إلى هموم ومعاناة و مشاكل الشعب ، قبل أن يسبوا و يشتموا البعثيين ليلا ونهارا و يحمّلونهم ــ بشكل حصري ــ مسئولية وتبعات الأوضاع الراهنة في العراق ، وذلك بغية الهروب من تحمل المسئولية وتجنب السؤال و الحساب و الجواب !!..

لا بأس !..

فليتم شتم و سبّ البعثيين ليلا و نهارا و على مدار السنة ، وتحميلهم المسئولية ، بل ومواجهة و محاسبة و معاقبة كل بعثي يلجأ إلى وسائل العنف و الإرهاب والإجرام ضد المواطنين العراقيين المسالمين ، ولكن على شرط أن لا يكون هذا الأمر ، تبريرا لحالة العجز و الشللية السائدة حاليا في العراق ، من قبل أبطال " العملية السياسية " الغافين في وسط ليونة كراسهم الذهبية والملكية الفخمة !!..

حيث ثمة ملايين عديدة من العاطلين عن العمل والملايين المماثلة من اللاجئين وكذلك ملايين أخرى من الأطفال الأيتام و المشردين ، وبنفس المقدار من الأرامل يضطربون كأشباه الموتى في جحيم حياتهم اليومية ، في بلد شبيه ببقايا أطلال و أنقاض تنعب بين خرائبها أسراب البوم ، وتزعق الغربان !..

ورجوعا إلى عنوان مقالتنا ، نعود و نقول :

لا يكفي من جعل البعثيين مشاجب لتعليق عليها كل المساوئ والأخطاء والركون إلى التفرج ، ومن ثم غسل اليد من دم يوسف والتظاهر بالبراءة !! ، وإنما يجب على أبطال و زعماء " العملية السياسية " الفاشلة ، أن يثبتوا بأنهم أفضل من البعثيين بالأفعال و الأعمال و الإنجازات ، و آنذاك سوف نطالبهم نحن بأن يساعدوننا على تحطيم هذه المشاجب البعثية الواطئة و الصدئة و رميها إلى أقرب مزبلة للتاريخ ..