نظرية الفئران |
يحكى ان احد الملوك كان يبحث عن شخص يتخذه وزيرا بشرط ان يضمن له اطول مدة في البقاء في الحكم لان اهل المدينة قد تعودوا الخروج على الحاكم والاعتراض على اي قرار جائر يتخذه وبعد ان جمع اعيان المملكة ووجهائها سئلهم ان كان بينهم من يستطيع ان يروض الناس ويضمن بقاء الحاكم ولما كثر المتقدمين قرر ان يجري اختبارا لهم فجمع عدد من الفئران في كيس من الكتان وطلب من كل من يرشح نفسه ان يحمل الكيس لمسافة معينة شرط ان لاتخرج الفئران من الكيس او تقرض القماش ولما عجز الجميع تقدم احد الاشخاص وحمل الكيس وسار به المسافة المطلوبة وعاد به من دون ان تخرج الفئران او تقرض القماش وعندما سئله الملك عن الطريقة اجابه بانه عندما حمل الكيس قام بتحريكه يمنة ويسرى واخذ يكرر ذلك كلما قطع مسافة فيصعب على الفئران تمزيق الكيس بعد إصابتهم بحالة الدوران ، وبعد ان تستعيد وعيها تسعى الفئران الى ضبط وضعها لينقلب الكيس رأسا على عقب فى ايقاع مثير للشفقه . ومن يتتبع ماجرى ويجري في العراق منذ مايقارب الخمسة عقود نرى ان هذه النظرية كانت هي السلاح الذي تم تطبيقه ببراعة على الشعب العراقي بالرغم من تغير الزمان والظروف وتغير الانظمة من دكتاتورية شمولية الى ديمقراطية فدرالية فقد توارث من وصلوا الى سدة الحكم في العراق مقولة الحجاج بن يوسف الى عبد المللك بن مروان عندما سئله عن الطريقة التي سوف يسيطر بها على اهل العراق وهم الذين عرفوا بمعارضتهم للحكم الاموي فاجابه ساجمرهم بالحروب والمغازي حتى لايكون لاحدهم هما سوى نفسه واذا لقي احدهم اخاه يقول له انج سعدا فقد هلك سعيد . في كل أزمة يمر بها عراقنا الجريح ، تمر تلك الأسطورة ببالي لتزاحم كل ماقراته فيما يتعلق بالقانون والتاريخ عندما أتابع التحولات السياسية في تاريخ العراق فقد شكلت تلك الاسطورة الملامح الاساسية للاستراتيجية التي اتبعتها كافة الانظمة التي حكمت العراق منذ ان تحولت الخلافة الى ملك عضوض والتي اصبحت عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمع، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. بحيث تحافظ الزمرة الحاكمة على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. بحيث يكون الشعب مشغولا دائما عن التفكير في المشاكل الحقيقية للمجتمع وقد تنوعت الأساليب المتبعة للوصول إلى أنجع السبل لإدارة الجماهير والتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة عليهم وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم.
ومنذ عام 2003 ولغاية اليوم اثبتت المجموعات المتحكمة بالقرار العراقي بانها تلاميذ مخلصين للمباديء التي حكمت بها الانظمة الدكتاتورية الشمولية رغم تبرقعها بستار شفاف من الديمقراطية فما نراه من الازمات المتلاحقة والتي تثور بدون ان يعرف السبب تجعلها سبب في الهاء الشعب عن المشاكل الحقيقية التي تحيط بالعراق ما استدعي هذا الحديث هو ما رايناه من تطبيق حرفي لاستراتيجية الفئران فيما حصل في الاعظمية قبل ايام عندما قامت مجموعة مجهولة الارتباطات بمسيرة داخل منطقة الاعظمية واطلاق هتافات بدون هدف فقط لخلق ازمة تصرف الانظار عن المشاكل الحقيقية فما ان يتم الكشف عن ملف من ملفات الفساد حتى تحصل موجه من التفجيرات تجعل اكبر هم المواطن هو ان يطمئن على افراد اسرته واصدقائه وما ان ينادي الشعب بمحاسبة المسؤولين عن الامتيازات التي منحوها لانفسهم حتى يذر قرن الطائفية ليلهي الناس عما يحصل ومما يؤسف له انه الى الآن يتم تحويل انتباه الرأي العام العراقي عن القضايا الهامة والمشاكل الرئيسية عبر إغراق النّاس بوابل متواصل من المعلومات التافهة, فلكي تتحقق الفائدة لهؤلاء الحكام يجب الحفاظ على تشتيت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، بجعل الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية. وجعل الشعب منشغلا دائما وأبداً، بل يصل الامر الى مخاطبتهم الشعب كمجموعة قصّر وأطفال صغار والاخطر التوجّه إلى مخاطبة العواطف وهو أسلوب كلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني، بالتالي يتعطل الحسّ النقدي للأشخاص كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور إلى اللا وعي حتّى يتمّ زرعه بأفكارهم وإيثار الرّغبات أو المخاوف والانفعالات. وكذلك محاولة إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة بحيث يكون غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. واخيرا تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة فالهدف واحد وهو البقاء في الحكم، وإذا قامت معارضة نُعتت بصفات عدة اسهلها البعث واتباع التظام السابق والروافض والنواصب وصولا الى التكفير والارهاب والقائمة تطول أو إقحام الطائفية أو دول خارجية .
مما فات من يحاولون استخدام تلك الاساليب ان أصول اللعبة قد اختلفت ؛ فثورة التكنولوجيا بما أتاحته للشعوب فضلا عن الحالة المزرية لشريحة كبيرة من الشعب والغناء الفاحش للحكام مع إمكانية معرفة حجم ثراء وطريقة معيشة الحكام من قبل شريحة واسعة جدا من العامة وبسرعة هائلة كل ذلك أفقد تلك الاستراتيجيات فاعليتها. وهو ما يوجب على من هم في سدة الحكم المسارعة بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية وعدم التشبث بأساليب لا تنفع بل تضر . |